ليبيا: السعي نحو توافقات إقليمية، وقرار دولي جديد يدعم الحل
كانت خطوات الحكومة الليبية المؤقتة في الفترة السابقة مليئة بالأنشطة والزيارات الإقليمية والدولية؛ من الأمم المتحدة إلى اليونان وروسيا وتركيا في إطار التوافق الدولي على طريق التسوية السياسية وتأمينها، كما أُعلن عن قرار دولي جديد يدعم التسوية.
يبدو أن الحكومة تحاول إيجاد توافقات بين الأطراف الدولية المنخرطة بالأزمة الليبية بغية تأريض الخلافات، وتحاول بعض الدول الدفع باتجاه تأمين مصالحها وتثبيتها في الفترة الحالية، وتحديداً منها: تركيا ومصر واليونان وفرنسا، فيما يخص الاتفاقيات البحرية وترسيم الحدود، إضافةً إلى مساعي كلٍ منها لتأمين نفوذ سياسيّ لها في البلاد. وعلى الرغم من أن موسكو تعتبر من أقل الأطراف الدولية تدخلاً بهذا المعنى، تسعى الأقلام الأمريكية إلى تصويرها وتسويقها بمنطقٍ آخر يعبّر عن تخوّف الولايات المتحدة من الوزن الروسي ضمن الملف، والذي كان دافعاً أساسياً باتجاه التسوية والحل الذي يجري العمل به، بمقابل خفوت ضوء واشنطن وقلة حيلتها.
الاتفاقات البحرية
من الخلافات الإقليمية والدولية الدائرة حول ليبيا جانبٌ يتعلق بالاتفاقيات والحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، بالتناقض مع طرابلس والقاهرة وأثينا وباريس، وتحديداً ما جرى الاتفاق عليه بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الوطني السابقة فائز السراج في عام 2019، حين وقعا مذكرتي تفاهم تخصان التعاون الأمني والعسكري، وتحديد الحدود البحرية دون التشاور مع الدول الإقليمية الأخرى، وبشكل يتعارض أولاً مع أثينا.
في الحادي عشر من الشهر الجاري توجه رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد يونس المنفي، في زيارة رسمية إلى اليونان بعد دعوة من أثينا، التقى خلالها رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، ليبحثا خلالها «العلاقات الثنائية بين البلدين»، وحث ميتسوتاكيس الحكومة الليبية على «إلغاء المذكرة» الموقعة بين أردوغان والسراج في السابق.
وفي اليوم التالي، توجه رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد دبيبة، بزيارة إلى تركيا امتدت ليومين بعد دعوة من الرئيس التركي، وأُعلن خلال مؤتمرٍ صحفي تأكيد الجانب التركي على استمرار دعمه للحكومة الليبية، فيما قال دبيبة بأن الاتفاقات البحرية الموقعة مع أنقرة بنيت على أطر صحيحة، إلّا أنه دعا إلى «حوار متوسطي» بغية حل الخلافات.
لتعاود اليونان إصدار تصريحٍ عبر وزير خارجيتها، نيكوس ديندياس، بأن أثينا جاهزة لمحادثات مع طرابلس حول ترسيم المناطق البحرية بين البلدين عبر إتمام اتفاقية بدأت المشاورات حولها في 2010... ليبدو التصريح الآنف كإشارةٍ رداً على ما دعا إليه الدبيبة من «حوار متوسطي».
وبين هذه وتلك، أظهرت باريس موقفها وتصعيدها، عبر ما نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية في مقال، معتبرةً أن الاتفاق التركي- الليبي حول المناطق البحرية من الممكن تجاوزه أو إلغاؤه طالما أن مجلس النواب الليبي لم يصادق عليه قانونياً بعد.
من بين جميع المتخاصمين حول الحدود البحرية، يبرز طرح الدبيبة أكثرهم عقلانيةً بدعوته إلى حل المسألة عبر الحوار، فبالنسبة للمصلحة الليبية، سواء في هذه المرحلة، أو إستراتيجياً، فهي أن تحافظ ليبيا على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليمية وفق سياسات التعاون والتكافؤ، وبمنطقٍ يرضي جميع الأطراف، وأولهم ليبيا نفسها، دون إملاء من أحد أو تدخلٍ في قراراتها السيادية، ومن غير الصعب الاستشفاف من حديث دبيبة ومجمل نشاط الحكومة الدبلوماسي بأنها تحاول الحفاظ على العلاقات والتقارب التركي- الليبي، لكنها وفي الوقت نفسه لا تقف بتحيزٍ متعارض مع اليونان أو فرنسا ضمن المسألة البحرية، وذلك بغية تأريض أية عراقيل إقليمية بوجه التسوية السياسية الجارية على أقل تقدير.
العلاقات الروسية- الليبية
قام رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد دبيبة، يوم الخميس الماضي إلى موسكو بزيارة أجرى خلالها لقاء مع نظيره الروسي، ميخائيل ميشوستين، ولقاء مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، واتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت خلاصة الزيارة بالمجمل هي بحث التسوية الليبية، والمسائل الخاصة بالتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وفي مجالات الطاقة، وكان لافتاً تصريحان لدبيبة من موسكو خلال مؤتمر صحفي له مع لافروف، أولهما: أن نحو 80% من مؤسسات الدولة الليبية قد «تم توحيدها» وبقيت المؤسسة العسكرية فقط، ومؤكداً: أن «أية دولة لا توجد بها مؤسسة عسكرية موحدة لن تقوم لها قائمة» داعياً جميع الأطراف إلى توحيدها.
والثاني: أن حكومته «تطلب المساعدة من روسيا في كل شيء» داعياً «جميع الشركات الروسية العاملة في مجال الغاز إلى العودة إلى ليبيا».
فيما لم يتحدث لافروف عن مواضيع محددة، مثل الغاز أو غيره مستقبلاً، بمقابل أن معظم حديثه دار حول ضرورة إنجاح التسوية السياسية في الفترة الراهنة، مؤكداً أن روسيا مستعدة لتقديم الحلول لإحداث انفراجات في الأزمات القائمة في ليبيا، وعبّر عن أمله بتنفيذ المقررات الدولية بهذا الشأن.
واتفق الطرفان على استئناف عمل اللجنة الحكومية المشتركة بينهما بشأن التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بأقرب وقت.
قرار دولي جديد
صوّت مجلس الأمن الدولي في 16 نيسان، على قرار جديد حول ليبيا من 22 فقرة، يدعو به السلطات والمؤسسات المعنية إلى اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في خارطة الطريق للوصول إلى الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول من هذا العام، كما دعا لوضع الأساس الدستوري لهذه الانتخابات وسن التشريعات بحلول 1 تموز، بغية إعطاء الوقت الكافي لمفوضية الانتخابات الليبية للتحضير في الوقت المحدد.
كما ينص القرار على «إنشاء وحدة مراقبة لوقف إطلاق النار تشمل 60 مراقباً في أقصى حد وتكون جزءاً من بعثة الدعم الأممية في ليبيا» و«ضرورة نزع السلاح وتسريح القوات وإعادة إدماج (اجتماعية) للجماعات المسلحة وجميع الفاعلين المسلحين خارج إطار الدولة» و«الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا».
جميع المؤشرات والخطوات تشير إلى أن التسوية تمضي نحو إتمامها، ولربما من أهمها هو «غياب» مؤشرات العبث الأمريكي، لا لتحسّن نوايا واشنطن أو تغيّرها، إنما لتراجع وهشاشة موقفها ووزنها من مجمل العملية السياسية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1014