هل تتجه العلاقات الروسية الأوروبية نحو القطع؟
ملاذ سعد ملاذ سعد

هل تتجه العلاقات الروسية الأوروبية نحو القطع؟

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الأسبوع الماضي، بأن روسيا مستعدة لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي رداً على عقوبات جديدة محتملة، وسرعان ما جرى تداول هذا التصريح على مختلف وسائل الإعلام العربية والغربية بعد قطعه من سياقه سواء في حديث لافروف، أو بالمجريات السياسية الأخيرة، وتقديمه بشكلٍ تظهر فيه روسيا هي المبادرة بمثل هذا التصعيد.

على أية حال، إن العلاقات الروسية- الأوروبية تمر حالياً بواحدة من أسوأ مراحلها، إلّا أنها ليست المرة الأولى، وقد لن تكون الأخيرة وسط تذبذب الاتحاد الأوروبي بمواقفه وسلوكه، وأزماته، وأزمات كل دولة عضو فيه على حدة.
بدأت المرحلة الجارية من سوء العلاقات مع قضية مزاعم تسميم المعارض الروسي اليكسي نافالني، كذريعة بمحاولة للضغط على روسيا نحو تقديمها تنازلات تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في الملفات السياسية والاقتصادية دولياً، ولإعاقة العلاقات الروسية- الألمانية، ووقف بناء مشروع خط الغاز المسال «السيل الشمالي-2»، ولعرقلة تطور العلاقات الروسية- الأوروبية لمصلحة واشنطن، وما إن وصل التصعيد السابق ذروته وبدأت العلاقات تعود إلى طبيعتها، حتى عاد نافالني إلى روسيا بغية اعتقاله، ومرفقاً بحملة احتجاجات من مناصريه مدعومة أوروبياً وأمريكياً، ليستخدم الظرف ذريعةً لذات الأهداف وبتصعيد أكبر.

زيارة بوريل

في الخامس من هذا الشهر، زار المفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية- جوزيب بوريل- موسكو بغية الحوار مع روسيا على حد وصف بوريل لأهداف الزيارة قُبيل قيامها، ومصرحاً: أنه «لا تزال روسيا جارة وشريكة رئيسية يتعين علينا مواصلة حوار حازم معها» إلّا أنه أكد كذلك على «إدانة الاتحاد الأوروبي لاعتقال الناشط الروسي اليكسي نافالني» و«طريقة تعامل أجهزة الأمن مع المظاهرات غير المرخص بها» في روسيا على حد زعمه، مشيراً إلى أن مسألة نافالني والمظاهرات الروسية من القضايا التي سيبحثها بوريل مع الطرف الروسي، وقد رافقت هذه الزيارة حملة إعلامية تُسوّق بوريل كمدافعٍ وحامٍ لحقوق الإنسان والديمقراطية التي سيواجه الروس بها، قبل أن يتم وصف اللقاء بعد انتهائه بالـ «مخزي» و«المذل» بالنسبة لبوريل من هذه الأطراف الإعلامية نفسها.

بالنسبة لموسكو، إن مسألة نافالني والمظاهرات التي حصلت داخل الاتحاد الروسي تُعتبران مسائل داخلية وسيادية لا يسمح لأية دولة أخرى أياً تكن التدخل بها، أو بأي شأن روسي داخلي آخر، الأمر الذي أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعه مع بوريل، ومحملاً الطرف الأوروبي مسؤولية تدهور العلاقات التي جرت بسبب تدخله هذا، والذي ترافق مع عقوبات اقتصادية أوروبية على شخصيات وكيانات روسية، لكن وفي الوقت نفسه، أكد لافروف استعداد روسيا لمناقشة أية مسائل سيطرحها ممثل الاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن «المشكلة الرئيسية تكمن في انعدام الأجواء الطبيعية في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي» مضيفاً: أن ذلك «وضع غير سليم، ولا يصب في مصلحة أي طرف».
وقد أكد بوريل خلال المؤتمر الصحفي، بأن العلاقات بين موسكو والاتحاد الأوروبي تمر بمرحلة صعبة وصلت لأدنى مستوى لها، إلّا أنه أكد بأن «بناء جدار الصمت ليس خياراً» بما يعني ضرورة مواصلة الحوار، وأشار إلى أن زيارته الحالية اتاحت فرصة لمناقشة جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك.

ظهر بوريل آخر

خلص المؤتمر الصحفي بإعطاء انطباعات إيجابية من قبل لافروف وبوريل على حد سواء، ومؤكدين دعمهم لمواصلة الحوار، ولكن ما إن عاد السيد جوزيب بوريل حتى تغيّرت نبرته وتصريحاته بشكل متناقض مع ما كان يقوله وبتصعيدٍ عالٍ، ليعلن في كلمة ألقاها أمام البرلمان الأوروبي بأن موسكو تتوجه بشكل أكبر إلى «نظام متسلط» مؤكداً أن «الحوار مع روسيا وصل إلى حالة ركود» وأن موسكو «لا تبدي أي اهتمام بإعادة إطلاق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي... ولا تنوي خوض أية مفاوضات بناءة تشمل قضايا حقوق الإنسان» ثم شدد على أن دول الاتحاد سوف تبحث إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا، مؤكداً «سأتقدم بمقترحات دقيقة من خلال استغلال حقي في تقديم المبادرة باعتباري مفوضاً سامياً للشؤون الخارجية والأمنية».

رد موسكو

عقب هذه التصريحات، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً جاء فيه «اطلعنا باستغراب على تقديرات بوريل لنتائج زيارته، إنها تتناقض كثيراً مع التصريحات التي أدلى بها خلال مؤتمر صحفي في موسكو» وتابعت «ربما تلقى كبير الدبلوماسيين الأوروبيين عند وصوله إلى بروكسل توضيحات حول النقاط التي كان يجب عليه التركيز عليها، لكن هذا الأمر فقط يؤكد من يصيغ سياسة الاتحاد الأوروبي وكيف يتم ذلك».
وفي هذا السياق السياسي، جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي جواباً على سؤال قدم له حول ما إذا كانت روسيا مستعدة لقطع العلاقات مع أوروبا ليجيب لافروف: «ننطلق من أننا مستعدون لذلك، إذا رأينا مرة أخرى، كما كان قد حصل مراراً، أن تفرض عقوبات في مجالات محددة تشكل خطراً على اقتصادنا، وخاصة قطاعاته الأكثر حساسية» مشدداً على أن «موسكو مستعدة لهذه الخطوة، على الرغم من عدم رغبتها» بذلك. وتبع ذلك تصريحات صحفية من المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف بعد تحريف كلام لافروف من سياقه قائلاً «وسائل الإعلام تقدم عنواناً مثيراً (حول كلام لافروف) خارج السياق.. هذا خطأ كبير من الإعلام، وهذا خطأ يُغير المعنى».

هل تتجه العلاقات نحو القطع؟

لا نعتقد بأن العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي ستزداد سوءاً عمّا هي عليه الآن، بل على العكس، حيث وككل مرة تصل ذروتها من التصعيد قبل أن تخبو مجدداً، فضلاً عن أن سوء العلاقات هذا لا يصب بمصلحة أي من الطرفين في نهاية المطاف.
إن المشكلة يمكن توصيفها بشكل عام بأن انقساماً حاداً داخل أوروبا، بين من يرى في روسيا صديقاً إستراتيجياً لأوروبا، وفقاً للعلاقات الدولية الجديدة التي يجري بناؤها الآن، وبين من يحاول التفرّد لوحده أو بالتعاون مع واشنطن والتبعية لها وفق علاقات قديمة تتماوت تدريجياً، وهو ما يفسر حالات التباين والتناقض واختلاف المواقف بين دول أعضاء الاتحاد، وداخل كل دولة عضو منه، وصولاً إلى كل شخصية بعينها لدرجة أن يصرح في الصباح شيئاً ما، ثم يعود في المساء لمناقضته.. وجل ما يفعله الروس في هذه الأثناء هو: المرونة في تفهم واحتواء هذا الظرف، ولكن مع الحسم المبدئي والحازم للمسائل والتفاصيل السيادية والأمنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1005
آخر تعديل على الخميس, 18 شباط/فبراير 2021 19:54