في أزمة قره باغ، إما يخسر أو يربح الجميع..
ملاذ سعد ملاذ سعد

في أزمة قره باغ، إما يخسر أو يربح الجميع..

انتهت الحرب في قره باغ بعد حوالي شهر من معارك كبرى كانت توحي بتصاعدٍ أكبر على طول الخط، ولا مبالغة في القول بأن من أنهى المعارك عملياً هي روسيا فقط، لكن ورغم ذلك، لا تزال الأزمة جارية بلا حلّ للنزاع الأذري- الأرميني حتى الآن، ولا يزال من المبكر الحديث عن ذلك في هذه الأوقات، إلا أنّ التطورات الأخيرة بيّنت طريقاً ما لإنجاز الأمر، طريقٌ لا مكان فيه للعبث الغربي تحديداً.

بعد وساطات وجهودٍ عدّة، روسية وتركية وغربية مشتركة، فيما بين تهدئات وهُدنٍ واتفاقات وقف إطلاق نار، حظيت بالفشل المستمر، وفي لحظة ذروة الحرب حينما أسقط الأذريون خطأً مروحية روسية، دفعت موسكو بشكلٍ سريع وحاسم بطرفي الأزمة نحو إنهاء الصراع العسكري الدائر، ونشر قوات سلام روسية فقط في ناغورني قره باغ، ورغم محاولة تركيا إشراك نفسها بين هذه القوات، فقد كان رد موسكو واضحاً بالنفي التام، لما يسببه هذا الأمر من تناقضٍ مع الجانب الأرميني، فروسيا تحظى بعلاقات جيدة ومتوازية مع الطرفين، وبإمكانها لعب دور الوسيط بشكل فعال، على العكس من جميع الأطراف الأخرى إقليمياً ودولياً، مما يؤمن بشكلٍ حقيقي فرصاً أكبر لإدامة السلام.

إن هذا التوجه الروسي الأخير، باتخاذ دورٍ أحادي وفاعل بإنهاء الحرب، بعيداً عن «مجموعة مينسك» التي تضم فيها روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، تشكل الخطوة الأولى نحو سحب الملف كلياً باتجاه موسكو، تطبيقاً لما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أواخر أيلول: بأن روسيا تقترح تقديم موسكو كمنصة للمفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان. ورغم أن حديث لافروف كان يهدف في ذاك الوقت إلى بحث سبل «وقف الصراع»، إلا أنه يفتح باباً أيضاً نحو حل الأزمة ككل، والتي قد تحتوي مستقبلاً أشكالاً عديدة قد تكون منها اتفاقات لترسيم الحدود، أو استفتاء شعبي في «جمهورية قره باغ» المعلنة ذاتياً، أو أية أشكال أخرى تؤدي بالمحصلة إلى تفاهمات وتوافقات بين الأذربيين والأرمينيين نحو سلامٍ مستدام وإنهاء الملف.

من الملفت في الفترة التي تلت اتفاق وقف الحرب ونشر قوات السلام الروسية، ردود الفعل الحاصلة داخل كل من أرمينيا وأذربيجان، على اعتبار أن إحداهما «خاسرة» والأخرى «منتصرة»، في الوقت الذي تتفق به أغلب التحليلات أن الجميع، في المحصلة، كانوا خاسرين، ويأتي هذا بالطبع استناداً إلى رؤية جذور الأزمة التي تعود إلى وصف واعتبار أن كلاً من البلدين قد كانا عملياً شعباً واحداً ذابت فيه النزعات القومية قبل أن يجري تحريضها من جديد- بعد زوال السوفييت- لتشكّل هذه الأزمة القديمة-الجديدة بين الإخوة... ولذا فالانتصار الوحيد الحقيقي، في نهاية المطاف، لا يمكن إلّا أن يكون جامعاً أيضاً بالنسبة للدولتين الأذرية والأرمينية مثلما هي الخسارة الآن... وما يشكل خطراً الآن، هو الاستثمار الغربي لهذا التوهم داخل أرمينيا نفسها، لصنع توترٍ ينذر بأزمة داخلية فيها، والذي نرى مؤشراته الآن من تحركات المعارضة والتظاهرات ومحاولات الاغتيال.

لتحميل العدد 992 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
992
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين2/نوفمبر 2020 16:41