الكيان الصهيوني «غريق يتمسك بقشّة»
ملاذ سعد ملاذ سعد

الكيان الصهيوني «غريق يتمسك بقشّة»

كان قد جرى، ولا يزال يجري، تصدير جملة من الدعايات المناهضة لـ«جو بايدن» قبل وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، من قبل الكيان الصهيوني وحلفائه، لصالح دونالد ترامب، على اعتبار أن الأخير قد أنجز «خطوات كبيرة مهمة» لصالح الكيان، ووجود تخوفات من مستقبل الكيان مع رحيله ووصول بايدن.

إن مصالح ومستقبل الكيان الصهيوني، بالمعنى الإستراتيجي، يمكن وضعها ضمن عدة عناوين عريضة: الأزمة الاقتصادية والسياسية الداخلية للكيان- تطور القضية الفلسطينية إقليمياً ودولياً- تطور القوى الإقليمية والدولية المعادية له- وجود الولايات المتحدة حليفاً وداعماً، واستمرار هذا الوجود.

نؤكد هنا، مرةً أخرى، أن ترامب أو بايدن، بأشخاصهم أو إداراتهم، لا يغيرون أمراً اتجاه تطور ظروف الولايات المتحدة بأزماتها خارجياً أم داخلياً، وكل الفرق يكمن بشكل وتمظهر المُضي بهذا الاتجاه الموضوعي الوحيد لها، وبتباطئه أو تسارعه جزئياً ونسبياً، وبحدّته أكان ناعماً أم خشناً ومباشراً، وبالمثل: فيما يتعلق بتحالفها ونشاطها مع الكيان الصهيوني، فلا يمكن رؤية الأحداث المتعلقة بهذا الشق بمعزلٍ عن الجانب الإستراتيجي العام.

فترامب، وخلال سنين إدارته الأربع، قد قدم كل ما أمكن له من دعمٍ وخدمات للكيان، وجرى إبرازها على أنها خطوات كبرى تعزز وزن وقوة الكيان في المنطقة، وتخلصه من أزماته، وتضعف مناهضيه، من هذه الخدمات كانت، إن لم تكن كلها: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس- اعتراف ترامب بالجولان أراضٍ «إسرائيلية» - صفقة القرن- عمليات التطبيع الأخيرة- العقوبات على إيران وانسحاب واشنطن من الملف النووي الإيراني.

وبالنتيجة، لكل واحدة من هذه الخدمات، وبمجموعها، فإن جُلّ ما أنتجته هو مواقف داعمة «آنية» و«لحظية»، ومسقوفة بفوائدها على الجانب الانتخابي وحملاته، سواء بالنسبة لنتنياهو أو ترامب، وحتى هذه الأخيرة، عملياً، قد أبرزت فشلها: فلا تيار نتنياهو، بالنتيجة، تمكن من تجاوز الأزمة السياسية والخلافات التي تدور حول الحكم، ولا ترامب حظي بالدعم الكافي الذي يوصله إلى ولاية ثانية خلف هذه الانتصارات الخلّبية، وأما على الصعيد الإستراتيجي، فإنها لم تقدّم أو تؤخر بشيء بالنسبة للكيان ومستقبله.

يمكن القول: إن محاولات وحملات دعم ترامب من قبل الكيان الصهيوني، تعتبر الردّ بالمثل لما فعله الأخير اتجاهها في إطار تحالف نتنياهو- ترامب، إلا أن الكيان يدرك جيداً حجم ووزن تلك الخدمات الترامبية، ولعلّ من السخرية، والمضحك، هو تمسّكه بهذه الخدمات على اعتبارها «قشّة غريق» تكون أفضل من عدم وجودها بالنسبة له، فبايدن الآن ربما لا يتابع مسيرة ترامب ذاتها اتجاه الكيان، تلك المسيرة التي لم تتجاوز «الزخم الإعلامي»، إلا أن هذا الزخم كان له دورٌ بتغطية وإخفاء حجم أزمة الكيان، ووزنه المتسارع بالانخفاض في مقابل صعود القوى الأخرى فلسطينياً وإقليمياً ودولياً.

بالخلاصة، فإن ترامب أو بايدن، أو أي رئيس أمريكي آخر، لن يتمكن من تغيير الاتجاه العام الموضوعي سواء بالنسبة للكيان، أو للولايات المتحدة نفسها.
الكيان الصهيوني لن يكون بعيداً عن أزمة الولايات المتحدة العاصفة، بل ربما سيكون أكبر وأسرع المتأثرين بهذه الأزمة، فمع تصاعد حالة الانقسام الحاصلة، تتصاعد معها حالة الانقسام داخل «إسرائيل»، فوكالات الأنباء نقلت أن نتنياهو تأخر عدة ساعات قبل أن يهنئ بايدن في تغريدة على تويتر، مما يدل على أن رئيس وزراء الكيان الغارق في أزماته وجد نفسه ضمن أحد الأطراف الأمريكية المنقسمة، وهذا ما حصل مع منافسه ووزير الدفاع الصهيوني بيني غانتس، الذي حسم أمره باتجاه الفريق الأمريكي الآخر، فسبق نتنياهو بتهنئة بايدين.

لتكون المفارقة المضحكة بأن يصبح الانقسام السياسي الأمريكي المتصاعد والعنيف متداخلاً بشكلٍ لا يمكن فصله مع الانقسام الصهيوني. تحاول الدعاية الصهيونية الإيحاء بأن الأمور ماضية إلى الأفضل فتصريح وزير الخارجية «الإسرائيلية» عن أنه مقتنع بأن التحالف الإستراتيجي الحيوي بين الكيان والولايات المتحدة سيستمر بـ «الازدهار» في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، ما هو إلا محاولة للتغطية على حقيقة مرّة، وهي أن الكيان ماضٍ نحو أيام سوداء لا بسبب رحيل ترامب كما روجت وسائل إعلامه وإنما بسبب التراجع الأمريكي الذي سيزداد مع ما يجري وسيجري في الأسابيع القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
991