استراحة ليبية صغيرة..
ملاذ سعد ملاذ سعد

استراحة ليبية صغيرة..

يبدو أن الجولة المتسارعة للمضي باتجاه حل الأزمة الليبية خلال الفترة القريبة السابقة قد وصلت ذروتها بالاجتماعات الثلاثة الأخيرة التي جمعت الطرفين المتنازعين، بما أنتجته من تفاهمات قد هددت مصالح رُعاة الحرب والنهب محلياً وخارجياً، ليتبعها جولة مضادة من العرقلة مؤقتاً، ريثما يعاود نشاط الحل السياسي بالانطلاق...

بالطبع، التخريب أمريكي

إذا ما بحثنا عن إصبع واشنطن كشرارة لهذه العرقلة، فسنجدها عند مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، بتصريحٍ مختصر يعبّر عن الموقف الأمريكي حيال التطورات الأخيرة، حيث اعتبر أن المباحثات في سويسرا والمغرب «صممها المشاركون لاستبعاد حفتر» كتحريضٍ أول، ثم ليتابع ماكرون مهام التخريب الأمريكي عبر اتصالاته مع رئيس حكومة الوفاق الوطني المحسوبة على تركيا، وتُنشر لاحقاً أخبار غير رسمية، كان على رأس مصادرها موقع «انتلجنس أونلاين» الفرنسي، تزعم بإقامة قمّة ليبية تجمع كل من فايز السراج وعقيلة صالح وخليفة حفتر، ليردّ المجلس الرئاسي الليبي بأن «السراج لن يلتقي قائد (الجيش الوطني الليبي) خليفة حفتر لا في المستقبل القريب ولا البعيد، مهما كان حجم الوساطات الدولية».

والصدى، داخلي

من جهة أخرى، قامت الحكومة الليبية المؤقتة بتقديم استقالتها لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في خضم عمليات الحوار السياسي، بذريعة «امتصاص غضب الشارع الليبي».
ثم قامت وكالة «بلومبرغ» الأمريكية بتسريب خبر عن عزم فايز السراج الاستقالة من منصبه قبل أن يصدر أي شيء رسمي عن الأمر، وليعلن الأخير عن «رغبته» فعلاً بالاستقالة– لكن دون جزم- في نهاية شهر تشرين الأول.
لكن، وبالتوازي مع هذه الاستقالات، أعلن قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر عن قرار استئناف إنتاج وتصدير النفط في البلاد، وأعلنت القيادة العامة في بيان منفصل بأن القرار قد جاء نتيجة للحوار الليبي- الليبي الذي جرى بمشاركة ممثلين عن قيادة قوات حفتر وشيوخ القبائل الليبية وأعضاء من مجلس النواب، والمجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق... علماً أن العائدات سيجري توزيعها بشكل «عادل» على مختلف الأطراف وفقاً للتصريحات.
رغم أنّ الأزمة الليبية بتطورها لن تقف عند أي اسمٍ بعينه، ورغم أن كل طرفٍ ليبي لا يختزل بقائده أو رئيسه، إلا أن لهذه الاستقالات في هذا الوقت أثراً على تسويف وإطالة التفاهمات والحوارات اللاحقة بعد دخولها ببروتوكولات، وبيروقراطية إعادة الانتخاب والتعيين، وما إلى هنالك كأدوات سياسية تعطيلية بيد أصحابها... وليأتي قرار استئناف إنتاج النفط محاولاً تثبيت المعطيات الأخيرة على حالها، تحديداً خلف بند «التوزيع العادل» الذي يقر بوجود حكومتين ومنطقتين وإقليمين يتقاسمان موارد هذا القطاع المالية فيما بينهم، في حين أن إدارة هكذا إنتاج وطني ينبغي أن تكون عبر تفاهمات سياسية وطنية تعلو على الانقسامات الحالية، فشتّان بين استئناف إنتاج النفط الآن بهذا الشكل «التحاصصي»، أو بعد التوصل لتوافقات تفضي إلى إعادة قيام دولة واحدة على جميع الأقاليم والمناطق الليبية بمؤسساتها.

ماذا لو تم التوافق الروسي- التركي؟

رغم أنه لم يتم الإعلان عن توافق روسي- تركي تام حول الملف الليبي إلا أن قيادة البلدين برهنت قدرتها على إيجاد تفاهمات مشتركة في العديد من الملفات الشائكة، ويعتبر تصريح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو عن اقتراب التوصل إلى اتفاقٍ كهذا مع الجانب الروسي مؤشراً إيجابياً في هذا الصدد. فعلى الرغم من أن أوراق الحرب والأزمة الليبية لا تنحصر في أيادي روسيا وتركيا، إلا أن هذين الطرفين قادران على دفع الأمور باتجاهات محددة، وخصوصاً أن لدى روسيا تصوراً يجري تكراره في كل المناسبات لا ينحصر بالإصرار على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2542 وإيجاد آلية لتنفيذ قرارات مؤتمر برلين، بل إن موسكو ترى أن أصحاب المصلحة الحقيقين في حل الأزمة الليبية والأطراف الفاعلين فيها لايزالوا مغيبين عن الحل، وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حديثٍ له لوسائل الإعلام أن مؤتمر برلين على الرغم من إيجابية مخرجاته، إلا أنه لم يشرك الأطراف المعنية بصياغته، وهذا ما لم يضمن له حاملاً داخلياً ليبياً حتى اللحظة، ومن جهة أخرى تدفع موسكو لاحترام دور الاتحاد الإفريقي في هذه الأزمة، لا لأن الاتحاد يعد مؤسسة مستقلةً بشكل كلي، فهذا تصورٌ ساذج بالطبع، بل لأن لدى موسكو ثقة بأن الاتحاد الإفريقي لن يدفع الأمور إلى طرق مسدودة، فعدد من الدول الإفريقية الفاعلة باتت تعاني من النتائج السلبية للأزمة الليبية، وحالة الإنفلات الأمني والعسكري وانتشار المرتزقة، ولذلك تفرض مصالح الدول المحيطة إيجاد مخرجٍ يضمن تفعيل آلية للحل تكون مقبولة بالنسبة لليبيين ومتوافقة مع مصالحهم. ويضمن تجفيف هذه البؤرة الخطرة، وما يعني هذا من عامل للاستقرار في الجزء الشمالي من القارة الإفريقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
984
آخر تعديل على الإثنين, 21 أيلول/سبتمبر 2020 14:35