هل ينجح وقف إطلاق النار في ليبيا؟
في 22 تموز، أصدرت الخارجيتان الروسية والتركية بياناً مشتركاً معلنتين فيه الاتفاق على عدة بنود، كان أهمها: وقف إطلاق النار في ليبيا وبدء التسوية السياسية، وهو ما جرى تماماً بعد شهرٍ منه، حيث أعلن الفرقاء الليبيون في 21 آب وقفاً شاملاً لإطلاق النار في جميع البلاد، رغم محاولات واشنطن إعاقته بعد كل تغيّبها السابق.
وللتذكير، فقد كانت بنود البيان الروسي- التركي تشمل مواصلة الجهود المشتركة بهدف تهيئة الظروف لإحلال وقف طويل الأمد ومستدام لإطلاق النار، والإسهام في دفع الحوار السياسي الليبي- الليبي بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وحث أطراف النزاع على تأمين وضمان الوصول الإنساني والمساعدات العاجلة، بالإضافة إلى النظر في إنشاء مجموعة عمل روسية- تركية مشتركة بشأن ليبيا.
ساد خلال الشهر الماضي بين 22 تموز و21 آب نشاط سياسي عال بين جميع الأطراف المنخرطة في الملف الليبي إقليمياً ودولياً، تخللها اتجاهان واضحان: الدفع نحو التهدئة والتسوية، أو تصعيد جديد بغية تعقيد الملف أكثر وإحباط جهود الحل السياسي، وقد برز هذان الاتجاهان على لسان جميع الأطراف الإقليمية تبعاً للتطورات السياسية الدولية المتعلقة بالملف، وتحديداً بين النشاط الروسي والأمريكي فيه.
اتجاه التصعيد/ الولايات المتحدة
في 28 تموز– بعد أسبوع من الاتفاق الروسي- التركي عاد النشاط الأمريكي بعد طول غياب ليظهر مجدداً في المشهد الليبي، ليقوم جوشوا هاريس، القائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا، بزيارة إلى مدينة مصراتة ملتقياً عدداً من المسؤولين الليبيين من طرف الجيش الوطني، وتصدر السفارة بياناً توضح فيه أن الزيارة كانت للتشاور حول «إحباط التصعيد العسكري في سرت والجفرة، وإعادة فتح قطاع الطاقة في ليبيا، وتكثيف الجهود الليبية لتسريح الميليشيات العنيفة، ونزع سلاحها وإعادة دمجها» لتكون بمثابة إعلان دعمٍ لطرفٍ من الأطراف الليبية، بوجه السراج وتركيا.
وفي اليوم التالي، صرح وزير الخارجية الإماراتي بأن «قرار تكثيف التعاون السعودي المصري للتصدي لمحاولات قوى إقليمية توسيع نفوذها في الساحة العربية» مُبشّر، وأن «التوجه العربي المتنامي لاستعادة زمام المبادرة- بعد أن غدت ساحتنا مستباحة- إيجابي».
وقد زار جوشوا هاريس في اليوم نفسه، مدينة بنغازي حيث بحث مع مسؤولين ليبيين سبل تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها، ويُذكر في بيان صادر عن السفارة أيضاً أن «مع رفع الحصار المفروض على النفط، ستظل السفارة ملتزمة التزاماً كاملاً بتعزيز الإدارة الشفافة لعائدات النفط والغاز حتى يثق جميع الليبيين في أن هذه الموارد الحيوية ستستخدم بحكمة لصالح الشعب الليبي».
وأعلن في اليوم نفسه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار: أن أنقرة ترى في مواصلة بعض الدول دعمها للجيش الوطني الليبي أكبر عائق أمام إحلال السلام في ليبيا.
واستمر هذا النشاط الأمريكي خلال الشهر التالي: في 4 آب، حثّ مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين، كافة الأطراف على السماح للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا على استئناف العمل بكل شفافية، وتطبيق حل دون استخدام القوة العسكرية. وفي 6 آب، أعلنت الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على عدد من المواطنين الليبيين وشركة الوفاق الليبية وسفينة شحن باعتبارهم «شبكة إجرامية تهدد استقرار وأمن ليبيا» على حد وصفهم. ثم في 8 آب أجرى السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، اتصالاً مع فايز السراج من أجل الحصول على إحاطة حول الجهود الرامية للتوصل إلى صيغة نهائية لحل، وزيادة الشفافية في المؤسسات الاقتصادية. وفي 11 آب التقى السفير نفسه مع عقيلة صالح، للتحدث عن حل منزوع السلاح في سرت والجفرة، وتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي مع ضمان إدارة عائدات النفط والغاز بشفافية. ثم في اليوم التالي أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي أيضاً للتأكيد على استئناف المؤسسة الوطنية للنفط عملها في ليبيا واجراء إصلاحات اقتصادية.
ليتلخص النشاط الأمريكي هنا في ثلاث نقاط أساسية، أولها: إعلان دعمٍ سياسي لطرف من الأطراف الليبية لمحاولة إحياء التصعيد، وثانيها: عبر محاولة سحب إدارة وعمل المؤسسة الوطنية للنفط لصالح واشنطن وبإشرافها، محاولة «الصعود على أكتاف» الجهود الروسية بتحقيق وقف إطلاق النار عبر التصريحات «الإعلامية» الأمريكية التي لا تتطابق مع نشاطها السياسي الذي يتسبب بتصعيد متبادل بين الفرقاء الليبيين، والأطراف الإقليمية الداعمة لهم.
اتجاه التسوية/ روسيا
مقابل النشاط الأمريكي، أكد السفير الروسي لدى القاهرة غيورغي بوريسينكو في 29 تموز، رفض روسيا لتقسيم ليبيا، وسعيها لحل سياسي في البلاد، موضحا أن «موسكو تدعو لوقف كافة العمليات العسكرية على الأرض الليبية لحين الوصول إلى حل سياسي».
وبالردّ على محاولات «شيطنة» الدور الروسي في ليبيا إعلامياً، بما وُصف بأن موسكو تسعى لإقامة قواعد عسكرية لها في البلاد، أكد بوريسينكو أنه «لم توجه أية طلبات من قبل الجانب الروسي إلى السلطات الليبية لإقامة أية قاعدة عسكرية أو نقطة للتمركز البحري».
وعلى إثر مساعي واشنطن للسيطرة على مؤسسة النفط الوطنية الليبية، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ألكسندر فينيديكتوف: إن الغرب يحاول الاستيلاء على موارد النفط في ليبيا دون أن يخفي ذلك.
ثم بعد كل محاولات العبث الأمريكي السابقة، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً مع نظيره التركي في 17 آب، ليُذكر في البيان الصادر عن الكرملين بعد ذلك أنه «تم التأكيد مجدداً على ضرورة اتخاذ الأطراف المتحاربة في ليبيا خطوات حقيقية نحو وقف إطلاق نار دائم، وبدء مفاوضات مباشرة وفقاً لقرارات مؤتمر برلين وقرار مجلس الأمن رقم 2510».
ليصرح في اليوم التالي، المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن بلاده لا تريد الدخول في مواجهة مع أية دولة على الأراضي الليبية، معرباً عن اعتقاده بإمكانية مصر لعب دور بناء في ليبيا.
وفي اليوم نفسه، أعلن الجيش الوطني الليبي عن تسلمه رسالة هامة من السيسي عبر المخابرات الحربية المصرية دون أي توضيح عمّا ورد فيها. وليعلن قائد حرس الموانئ النفطية عن فتح الموانئ واستئناف ضخ النفط.
ثم بعد ثلاثة أيام من الاتصال الروسي- التركي أعلنت حكومة الوفاق الليبية ومجلس النواب الليبي عن وقف إطلاق نار شامل في البلاد، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن جميع الإيرادات ستوضع في حساب مصرفي خاص لدى المصرف الليبي حتى التوصل إلى حل سياسي.
هزيمة أمريكية
أصدرت القوى الإقليمية المنخرطة بالملف الليبي جميعها بيانات ترحيبية بوقف إطلاق النار، أما على المستوى الدولي، ففي حين رحبت روسيا عبر بيان صادر عن وزارة خارجيتها، اكتفت واشنطن بتصريحٍ من سفيرها في ليبيا لحفظ ماء الوجه.
في الختام، من المبكر الحديث عن اعتبار وقف إطلاق النار الجاري «مستداماً» ما لم ترافقه خطى جدية من الفرقاء الليبيين نحو الحوار وتنفيذ الحل السياسي، فالتخريب الأمريكي لا يزال نشطاً، إلا أنه وبالتوازي يزداد ضعفاً بمرور الوقت كما تشهد الأحداث.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 980