حربٌ أمريكية- صينية باردة؟
يزن بوظو يزن بوظو

حربٌ أمريكية- صينية باردة؟

مع وصول جائحة فيروس كوفيد-19 إلى ذروته في الولايات المتحدة الأمريكية وبدء مرحلة انحساره، نشطت واشنطن في هجماتها اتجاه بكين وعلى مختلف الجبهات، بدءاً من تحميلها مسؤولية تفشّي الوباء، وصولاً إلى اتهامها بـ«صناعته»، بالإضافة إلى الاستفادة من مسائل ونزاعات متفرقة مثل: هونغ كونغ، والحدود الصينية-الهندية، والإيغور، وليس انتهاءً بالتصعيد السياسي والعسكري في المناورات العسكرية البحرية التي تجريها بكين في بحر الصين الجنوبي، موظفةً واشنطن معها كلاً من اليابان وأستراليا بغية شيطنة الصين عالمياً، حتى وصل الأمر إلى تداول عبارة «الحرب الباردة» في المقالات الغربية توصيفاً للمعطيات الجارية وتطورها.

إن الحملة الأمريكية على الصين عموماً، والآن خصوصاً، باتت تتعدى حدود تعارض المصالح الاقتصادية والسياسية، أو محاولات حفظ ماء الوجه بسبب الفشل الغربي في احتواء الوباء الفيروسي، لتصل إلى مستويات تهدد النظام السياسي الغربي ككل، حيث النموذج الصيني لا يقدّم نفسه طرفاً دولياً بديلاً ومختلفاً عن الولايات الأمريكية في العلاقات الدولية فحسب، وإنما أيضاً في على المستوى المحلي في تلك الدول، حيث النشاط الصيني وما حققه في مواجهة الوباء الفيروسي، قد فضح تلك الدول وعرّاها أمام شعوبها، ليعطي لهذه الشعوب بالتالي وبشكل موضوعي دفعةً للمضي نحو تغيير هذه المنظومة.

كوفيد-19

على جبهة الوباء الفيروسي، حاولت واشنطن على طول الخط إلقاء اللوم على بكين في تفشيه عالمياً بذرائع وديباجات عديدة، إلا أن الوقائع والنتائج تتحدث عن نفسها: حيث إن الصين التي لم تتلق أية تحذيرات مسبقة لتتمكن من تنفيذ إجراءات مسبقة أو حتى لتجهيز الاختبارات، والتي تحتوي على أكثر من مليار ونصف إنسان، لم يتجاوز عدد الإصابات بها الـ 86 ألفاً، بينما الولايات المتحدة التي امتلكت أكثر من الوقت الكافي للقيام بإجراءاتها احتلت المركز الأول عالمياً بكمّ الإصابات المسجّلة، حوالي مليون ونصف. وأمام هذه النتائج الفاقعة لم تتمكن واشنطن من استمرار ملامة الصين بهذا الشكل، لتنتقل الجبهة إلى منظمة الصحة العالمية متهمةً إياها بإصدار تقارير مغلوطة وغير صحيحة بعد اجتزائها من سياقها التاريخي مع تطور الوباء والبحوث حوله، وحينما فشلت أيضاً بالدفاع عن فشلها بهذا الشكل، انطلق مايك بومبيو بالقول: إنّ الفيروس من المرجّح أنه خرج خطأً أو ربما عمداً من المختبرات البيولوجية الصينية...؟

هونغ كونغ

مع انحسار الوباء الفيروسي وبدء عودة الحياة والأنشطة الاجتماعية تدريجياً في الصين وهونغ كونغ، عادت التظاهرات المُنظمة والمقادة بشكل أساس من المنظمات غير الحكومية المرتبطة مع واشنطن ولندن في هونغ كونغ بغاية توتير المنطقة والداخل الصيني، لتردّ بكين على هذا التصعيد القديم المستجد بإصدار قانون أمن قومي يتعلق بالمقاطعة، ويتيح للسلطات الصينية التصدّي للنشطاء والقوى التي تتسم بالتوجهات الانفصالية أو الإرهابية، ليتباكى الأمريكيون والبريطانيون إثر ذلك على «الديمقراطية» في هونغ كونغ، ناعين مبدأ «دولة واحدة ونظامان»، وبهذه الفوضى قد ينسى المتابع حقيقة أن هذه المقاطعة قد كانت تحت الاستعمار البريطاني حتى عام 1997، ولا تزال لندن حتى اليوم تحظى بنفوذها وقدرتها على التأثير بها بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، إن نعي «الديمقراطية» ومبدأ «دولة واحدة ونظامان» لا يعني هنا سوى نعي النفوذ الغربي وقدرته التخريبية في المقاطعة، حيث قانون الأمن القومي يشكل رداً سياسياً وإشارةً إلى عزم بكين على حل مشكلة خاصرتها الضعيفة.

الحدود الهندية

إنّ الخلافات الحدودية الصينية- الهندية هي أيضاً من إرث مرحلة الاستعمار البريطاني وتركةً عنه بشكلٍ مقصود لإبقاء النزاع فتيلاً يجري إشعاله وتغذيته عند الحاجة، علماً بأن منطقة النزاع «محيط الهيمالايا» صغيرة وشبه خالية من الحياة الاجتماعية ومن النشاط الاقتصادي بها، إلا أنّ طبيعة الخلاف تتعلق بسيادية هذه الدولة أو تلك عليها، يتوازى معها طبيعة الحالة التنافسية التاريخية بين الصين والهند على المستوى الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي للدولتين، ليجري استخدام الورقة بالتزامن مع كل التصعيد الأمريكي للضغط على الصينيين، ومحاولة توريط موسكو في المسألة، حينما طلبت الهند استلام أسلحة وطائرات روسيّة بشكل مُبكرٍ عن الاتفاق، قبل شهر في أثناء الصدام العسكري مع الصين، إلا أن موسكو امتنعت معلنة تسليمها في توقيتها وعدم تدخلها في الخلاف الهندي- الصيني.

ورقة الإيغور

انطلقت موجة اتهامات جديدة أمريكية وأوروبية على الصين بقمع واضطهاد الإيغور المسلمين في بلادها، وتعقيمهم لمنع تناسل العرق الإيغوري، وما إلى ذلك من ادّعاءات، مستندين على الحالة الخاصة التي تحياها هذه الفئة وتناقضاتها، أيضاً كملفٍ من ملفات التوتير، وربما يشكل هذا الأمر أحد أكبر تهديدات الحرب الهجينة التي تجريها واشنطن على الصين، حيث المتاجرة الأمريكية التاريخية بالجانب الديني وتحويله إلى أداةٍ سياسية أو إسلام- سياسي لدى هذه المجموعة، لا يفضي بأية حال من الأحوال إلى حلّ التناقضات، وإنما إلى تغذيتها وإشعالها بغير مصلحة الإيغور نفسهم أو الصين.

مناورات عسكرية بحرية

دفعت واشنطن حلفاءها اليابانيين والاستراليين إلى ركوب موجة التصعيد السياسي والاستفزازي اتجاه الصين بعد تفشي الوباء عالمياً، ومن جملة الردود الصينية أنها أرسلت سفناً دورية وسفن حراسة تابعة لها إلى قبالة جزر سينكاكو في البحر الصيني الشرقي، والتي تعتبرها طوكيو من مياهها الإقليمية، بينما تعتبرها بكين جزءاً من الأراضي الصينية القديمة التي جرى استعمارها من اليابان سابقاً، وباتت هذه السفن الصينية متواجدة في المنطقة حتى الآن لمدة 86 يوماً، وهو رقم قياسي غير مسبوق في النزاع حول هذه الجزر.
وأعلنت الصين عن نيتها إجراء مناورات عسكرية بحرية في المنطقة، لتقوم واشنطن بانتقادها معتبرةً إياها استفزازاً، بينما رفضت الصين هذه الانتقادات معتبرةً على لسان المتحدث باسم خارجيتها: أن واشنطن هي المسؤولة عن زيادة التوتر في المنطقة.

لكن الهزيمة لواشنطن الآن..

الوباء الفيروسي، وهونغ كونغ، والهند، والإيغور، والمناورات العسكرية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية والحرب التجارية وإلخ... جميعها تشكل جبهات تصعيدٍ أمريكية على الصين وتزداد حدتها، الأمر الذي دعا بعض الكتاب الغربيين ووسائل الإعلام إلى توصيف الأمر بالـ «الحرب الباردة»، والذي قد يكون صحيحاً خاصةً مع تثبيت موازين القوى الدولية الجديدة على غرار مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، باختلاف أن المتراجعة دولياً هنا الآن إنما هي واشنطن نفسها، وجميع بؤر التوتير التاريخية العالقة التي يجري فتحها ستمضي باتجاه المعالجة والحلول، وإن كانت آخر حروب واشنطن الباردة ثبتت موقعها العالمي المتقدم فإنها اليوم ستفضي إلى نتائج مختلفة تماماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
973
آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2020 16:05