حرب مصرية- تركية في ليبيا.. أم تصعيد سياسي أخير؟
يزن بوظو يزن بوظو

حرب مصرية- تركية في ليبيا.. أم تصعيد سياسي أخير؟

رفضت تركيا وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا مبادرة القاهرة، في الوقت الذي تقترب فيه قوات حكومة الوفاق إلى غربي مدينة سرت الاستراتيجية الواقعة في الإقليم الشرقي، هذه العوامل مجتمعة، أنتجت ردود فعلٍ إقليمية ودولية، كان على رأسها الجانب المصري الذي بات يهدد بالدخول العسكري المباشر.

إثر ذلك، باتت تسري أحاديث عن احتمالية نشوب حربٍ بين مصر وتركيا، إضافةً إلى تغييب طرح الحل السياسي بمقابل التعويل على الحلول العسكرية من جديد.
إن الأزمة الليبية متشابكة جداً نظراً لعدد الأطراف الداخلة فيها وتضارب مصالحهم، التي لا تراعي بالضرورة مصلحة الشعب الليبي نفسه، والذي فقد «دولته»، أي وبالتحديد «مركزه» الذي أدى غيابه إلى تحويل البلاد إلى ساحة صراع بين الدول الإقليمية تقوم على مصالحها وحدها، دون أي اعتبار أو صدّ أو ردّ من الليبيين أنفسهم، ونذكّر هنا بموضوعة التشابك والتناقضات هذه، لأن أيّ تحليلٍ يُبنى على «تبسيط» المسألة والانتهاء إلى استنتاجات «مبسطة» أيضاً، لتؤكد أو تنفي بشكل مطلق إمكانية نشوء الحرب السابق ذكرها، فضلاً عن الاستنتاجات الأخرى، لن تؤدي إلا إلى تشويش الواقع وزيادة تعقيده.

النشاط الروسي والأمريكي

ظهر ت خلال الأسبوع السابق عدة تباينات وتقاطعات بين النشاطين الروسي والأمريكي في الملف الليبي، وندّعي هنا أن تزامن عودة النشاط الأمريكي مؤخراً مع التصعيد العسكري الجاري الآن ورفع حدة التوتر بين الدول الإقليمية ليس مصادفةً، إنما هدفٌ له، ومن إحدى نتائجه الرئيسية الذي أتى مغذياً لتشدد الأطراف الإقليمية والداخلية.
فمن يتتبع نشاط واشنطن خلال هذه الفترة، يلحظ أنّ سلوكها العام- شكلاً- يدفع نحو الحوار والحل السياسي، لكن خلال لقاءاتها المباشرة أو الاتصالات الهاتفية مع تركيا ومصر وفرنسا، بشكل مفصّل، تظهر نواياها لتحريض الأطراف ضد بعضها بهدف استثارة ردود فعلٍ منها، بالاستناد إلى تفاصيلٍ صغيرة: كحادثة ترهونة التي جرى فيها توقيف وتعذيب عمّال مصريين من قِبل الوفاق، أو المقابر الجماعية التي يجري اتهام الجيش الوطني بها، والإيحاء لكلّ طرفٍ من هذه الأطراف بأن واشنطن تقف في صفه، وبالطبع بهدف: الحل السياسي!، وينتج عن سلوك أمريكا في المحصلة دفع الجميع للتصادم، ويظهر هذا التأثير في سلوك الجميع على اختلاف مواقعهم.
في المقابل، يستكمل الجانب الروسي نشاطه عبر عدد من اللقاءات والاتصالات مع تركيا ومصر وألمانيا، بالإضافة إلى زيارة وفدٍ من الحكومة الليبية المؤقتة «طرف حفتر»، إلى روسيا للقاء مبعوث الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، والتأكيد خلال هذه الأنشطة جميعاً على ضرورة الحل السياسي، وإضافةً إلى ذلك فقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن موسكو ترحب باستخدام الولايات المتحدة نفوذها على أطراف النزاع في ليبيا بغية دعم مساعي وقف القتال وإطلاق العملية السياسية. لكن الولايات المتحدة، وهنا مثالاً، ارتأت أنّ المشكلة السياسية الآن تقف على إشراك «الأمازيغ»!، ففي الـ15 من الشهر الجاري التقى السفير الأمريكي في ليبيا ممثلين عن المجلس الأعلى للأمازيغ، وأكد على ضرورة إشراك الشعوب الأصلية وبينهم الأمازيغ والتبو والطوارق في الحوار السياسي الليبي... علماً أن لا أحد قد استثناهم، إضافةً إلى أن هذه الأعراق موجودة عند طرفي الأزمة الرئيسيين تحت الهوية السياسية العامة بأهدافها لدى كل منهما، وليس العِرقية أو القومية... لكن استثارة هذا الأمر من قبل واشنطن الآن يعني عدة أمور، قد يكون أولها: محاولة استثارة التناقضات والتباينات العرقية داخل المجتمع الليبي، بالإضافة لمنح كل مجموعة عرقية موقع سياسي خاص بها تمهيداً لمنطق «الديمقراطية الأمريكية» في الصراع والتحاصص الطائفي/العرقي/القومي، وعلى حساب الأهداف الوطنية العامة والملحّة في هذه اللحظة، بغية زيادة التعقيد، ويمكن أن يجري استخدام هذه الورقة في لحظات مفصلية بهدف عرقلة عملية التفاوض ومحاولة تأخيرها، كتذرغ «بغياب ممثلين عن الأمازيغ مثلاً»!
نؤكد هنا، أنّ لهذه المجموعات حقوقاً لا يمكن ولا يجب التغافل عنها، إلا أنّ السيناريو الأمريكي باللعب على هذه التناقضات قديمٌ ومفضوح، فإشراك هذه المجموعات في العملية السياسية ضرورةً لا بد منها، شرط أن تجري تحت هوية وطنية واحدة، وليس التحاصص أو التقسيم، بصرف النظر عن إمكانيته، فضلاً عن أنّ مسألة تأخر أو إطلاق العملية السياسية الآن لا تقف بتاتاً عند هذا التفصيل... لكنها ورقة «تخريب» يبدو أن واشنطن تسعى لتفعيلها إن أمكن.

التوتر الإقليمي

على المستوى الإقليمي، برزت فرنسا خلال الأسبوع السابق بتصريحاتها المعادية للنشاط التركي، سواء لمخالفتها قرار حظر توريد السلاح إلى ليبيا، أو لسلوكها غير المتفق عليه في حلف الناتو، بالإضافة للاتهامات الفرنسية بأن الفرقاطة التركية الموجودة في المياه الدولية تتعرض للسفن الفرنسية، ويركز الموقف الفرنسي أولاً: على اتفاقية ترسيم حدود المياه الإقليمية التي وقعت عليها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني... وقد جدد هذا الخلاف طرح الأسئلة حول مسألة قدرة حلف الناتو على الاستمرار ككيان، حيث كلّ من تركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تدفع عسكرياً وسياسياً باتجاهات مختلفة ومتباينة ضمن الملف الليبي كغيره من الملفات، إلا أنّ بعض الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة متفقين على أن النشاط الروسي «تهديدٌ» عليها، حيث جدد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتسبرغ، موقفه من روسيا عبر تصريحه يوم الثلاثاء، بأن الحلف قلقٌ من الوجود الروسي شرق المتوسط... والذي يعني في هذه اللحظة والظرف قلقٌ من دفع موسكو اتجاه الحل السياسي.
أدى تصاعد التوتر الإقليمي، واستمرار التقدم العسكري للوفاق وتركيا غربيّ سرت، إلى نشوء ردّ فعلٍ مصريّ، ليعلن الرئيس عبد الفتاح السياسي عن استعداد قواته المسلحة أرضاً وجواً إلى خوض معارك خارج الحدود المصرية دفاعاً عن الأمن القومي ومصالح البلاد، وأشار إلى أنّ هكذا نشاط قد بات «مشروعاً» ضمن الظروف الجارية بإشارة إلى جدية التحذير.

حرب مصرية- تركية؟

إن المسألة هنا بهذا الوقت تدور تحديداً على مدينة سرت ومحيطها لما فيها من آبار ومنشآت نفطية، لكن ليس بغاية استثمار أو تهريب النفط نفسه على المستوى الاقتصادي المباشر، بقدر ما تعطيه المنطقة من وزنٍ لمن يسيطر عليها على طاولة المفاوضات السياسية... إن بقاء تركيا والوفاق خارج سرت لن يؤدي إلى دخول الجيش المصري بشكلٍ مباشر، لكن في المقابل، إن استمرار دفعهم اتجاهها رغم التحذيرات قد يؤدي إلى ذلك، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ضمن المعادلات العسكرية، إن تركيا بموقعٍ أضعف من مصر الحدودية والتي تلقت دعماً مباشراً لتحذيرها من السعودية والإمارات فضلاً عن موقف فرنسا المعادي لنشاطها.
وبناء على هذه المعطيات، من غير المرجح أن يجري صدام مصري- تركي، بل ربما العكس، فمؤخراً وضمن العديد من الملفات الدولية كانت السمة العامة، أن بعد كل تصعيد يصل إلى درجة من «حافة الهاوية» يتبعه تخفيضٌ ودفعٌ تجاه الحوار والعملية السياسية، لعدم قدرة أي طرفٍ منها على ضمان انتصاره أو مصالحه، بل وبجميع الحسابات تكون الخسائر أكبر على الجميع.
في نهاية المطاف لن يحدد درجة دور ووزن كل من هذه الأطراف الإقليمية إلا الليبيون أنفسهم، وفقاً لمصالحهم أولاً، بعد إطلاق العملية السياسية وعودة وجود «مركز» و«دولة» ليبية جامعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
971
آخر تعديل على الإثنين, 22 حزيران/يونيو 2020 12:14