الاتحاد الأوروبي شراكة «على الحلوة» فقط!
يستعر الجدل بين دول الاتحاد الأوروبي هذة الأيام حول خطة لإنقاذ وإنعاش الاقتصاد ما بعد كورونا، و انقسم الاتحاد إلى معسكرين واضحين خلال جلسة نقاش جرت يوم 24 نيسان الجاري، ضم المعكسر الأول: ألمانيا وهولندا بشكل أساسي (دول ذات نسبة دَين منخفضة)، وضم المعسكر الثاني: إيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا (دول ذات مديونية عالية)، فما هو جوهر هذا الخلاف، وماذا سيضيف في سلة أزمات الاتحاد الأوروبي؟
يجري النقاش حول إنشاء صندوق بميزانية 1 تريليون يورو، والخلاف الدائر حالياً ليس حول الصندوق بحد ذاته، بل حول آلية الاقتراض منه، وكيفية حساب نسبة الفوائد، فبينما تصرّ إيطاليا وفرنسا على إصدار ما أسموه «سندات الكورونا» والذي يعني أنه سيتوجب على دول اليورو كمجموعة أخذ ديون مشتركة من الأسواق المالية وتوزيعها فيما بينها، وإعطاء ضمانة مشتركة لدفع هذه الديون والفوائد، وهو ما ترفضه ألمانيا وهولندا ويطرحون بالمقابل ما يسمى مظلة الاستقرار المالي الأوروبي، الذي يؤمن فيه الاتحاد 1 تيرليون يورو، وتحصل الدول على قروض من هذا المبلغ بشكل منفرد، وتدفع كل دولة على حدة فوائد هذه القروض، كلٌ حسب وضعه المالي، فإيطاليا المهددة بدخول المنطقة الخطرة ضمن التصنيف الائتماني لمنظمات التصنيف، ستترك دون دعم من جيرانها لتدفع نسب فوائد عالية على ديونها، بينما يسمح الخيار الأول بأن تضمن الدول الأغنى ديون الدول الأفقر، وتدفع القارة كلها فوائد متساوية. وهذا ما لايلقى ترحيباً من دول الاتحاد الغنية.
من سيدفع الفاتورة
الاتحاد يتشارك على «الحلوة» فقط، بينما يحاول تحميّل الـ «المرّة» لدول بعينها، والخيار اليوم أمام الدول الأغنى هو إخضاع الدول الأكثر مديونية لنظامٍ صارم جداً من التقشف، حتى لو اضطرت لتحويل بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى دكتاتورياتٍ عسكرية، وهو أمرٌ واردٌ جداً.
ترى هولندا والنمسا وفنلندا وألمانيا، أن السندات التي تطالب بها فرنسا وإيطاليا تُعدّ قسيمة مجانية لتلك البلدان التي لا تتحكم كما يجب في ميزانيتها، ولم تنفذ إلى الآن «الإصلاحات» الموصى بها، فيمكن لسندات اليورو هذه أن تشجع الدول المنفلتة على تأخير التقشف، فـ «سندات اليورو في فترة وباء كورونا هي الطريق الخطأ» حسب تعبير المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. بينما رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المشروع الأوروبي لا مستقبل له في حال فشل الدول في التعامل مع هذه «الصدمة الاستثنائية» التي يمثلها فيروس كورونا، مضيفاً أن «أوروبا إذا استدانت لإقراض الآخرين، فإن ذاك لن يرقى إلى مستوى الاستجابة التي نحتاجها»، مؤكداً أن هذا الأمر سيثقل كاهل دول تنوء بالفعل بالدَّين، مثل: إيطاليا وبلجيكا واليونان.
وبما أن النقاش حول السندات المشتركة يبدو أنه انتهى، وأن ما سيتم إقراره هو قروض من مظلة نظام الاستقرار الأوروبي، فإن ما يجري اليوم هو تكرار للإجراءات المتبعة بعد أزمة 2008 والتى خلقت مشكلة اليوم، والإجراءات التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي للإنعاش، من خلال القروض، وسنرى نتائجها الكارثية في السنوات المقبلة. فالاتحاد لا يملك حلاً، إلا إغراق الدول الأفقر بالديون وتأجيل هذا الإنفجار لا أكثر، وهذا ما سيؤدي لتمركز المكاسب، وهو ما سيتضح في السنوات القريبة القادمة.
ما المخرج؟
النقاش الدائر اليوم هو جزء من نقاش عام دائم، حول كيفية توزيع المكاسب والخسائر في الاتحاد الأوروبي؟ ومن يدفع الفواتير الكبيرة؟ فإرهاق الدول في الديون لن يجعلهم يغرقون بعيداً عن «القارب الأوروبي»، فهي سلسلة مترابطة، بين دائنين ومديونين، واستبدال النظام الرأسمالي القائم بنظام اشتراكي سيصبح حاجة موضوعية، وضرورة تاريخية، فمخارج الأزمة الحالية ضيقةٌ جداً، وقد لا تحتاج الأمور لاتسفتاء شعبي أو صناديق اقتراع، فالشارع الأوروبي اليوم في درجة عالية من النشاط ويجري صدامٌ كبير مع كل محاولة تجري لتخفيض النفقات. والآلية التي تجري فيها اليوم إدراة الأزمة تعني سياسات تقشف كبيرة جداً سيقابلها رفض شعبي كبير، فالسترات الصفراء في فرنسا هذه الحركة التي لم تتعب بعد، ستشهد نهوضاً أشد. السترات الصفرات جاءات تعبيراً عن اختلالٍ في التوازن الذي شهدته أوروبا لفترة طويلة، وإن كانت هذه الحركة احتلت شوارع فرنسا في السنة الماضية فستنتقل اليوم إلى دول أخرى ربما بأشكل أخرى
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 963