أفغانستان.. «الإرهاب» سيحارب «الإرهاب»

أفغانستان.. «الإرهاب» سيحارب «الإرهاب»

تشهد أفغانستان الكثير من الأحداث السياسية التي تترافق مع تصعيد ميدانيِّ، ويبدو أن هذا التصعيد سيكون عنوان المرحلة القادمة، ومن المثير للانتباه أنه لا يعكّر الأجواء الإيجابية بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الوضع يطرح سؤالاً حول طبيعة الخطوات الأمريكية في أفغانستان، والتي كان أبرزها توقيع اتفاق السلام مع حركة طالبان في 29 من شهر شباط الماضي.

بعد مفاوضات بين الطرفين جرى التوقيع على «وثيقة سلام»، تنسحب بموجبها القوات الأمريكية من أفغانستان بمقابل تعهدات تلتزم بها طالبان.

استعراض للوثيقة

يجري الحديث ضمن الوثيقة عن انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية وحلفائها، على أن تنسحب جميعها في غضون 14 شهراً، ويكون هذا الاتفاق سارياً في حال التزام طالبان بتعهداتها التي تنقسم إلى «ضمانات أمنية» و«تعهد بعقد محادثات سلام مع حكومة كابل» والتي من المفترض أن تبدأ في 10 آذار الجاري.
تكون «الضمانات الأمنية» على شكل تعهد بألّا تشكل حركة طالبان أي خطرٍ على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تضمن عدم انطلاق أية هجمات ضدّها من الأراضي الخاضعة لسيطرتها، بالإضافة إلى التعهد بمنع تجنيد وتدريب وتمويل واستضافة العناصر التي ترى فيها الولايات المتحدة الأمريكية تهديداً لها.
وفيما يخص «محادثات السلام مع حكومة كابل» تضمن أولاً تدابير لضمان الثقة، مثل إطلاق سراح السجناء من الطرفين «5 آلاف سجين لطابان بمقابل ألف سجين من الطرف الآخر»، على أن يجري إطلاق جميع السجناء على مدار الأشهر الثلاثة التالية. وتتعهد الولايات المتحدة البدء برفع أفراد حركة طالبان من قائمة العقوبات الأمريكية، وستطلب الولايات المتحدة إقرار واعتراف مجلس الأمن الدولي بهذه الاتفاقية.

هل يكون الاتفاق بذرة مشكلة؟

قبل التسرّع في إطلاق الأحكام، يجب المرور على بعض القضايا التي لا يمكن تجاهلها. جرى توقيع هذه المعاهدة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وهو ما يعطي حركة متطرفة قاتلتها الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات، وزناً وشرعية، بمقابل تعهد هذه الجماعة بـ «عدم تهديد مصالح الولايات المتحدة»، دون أيّة تعهدات عن دورها في المنطقة أو حتى في أفغانستان نفسها، فالمعاهدة ضمنت تعهد الحركة بالدخول في مفاوضات، لكن هذه المفاوضات ليست لها أرضية واضحة يمكن البناء عليها، فمثلاً نصت الوثيقة على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين لكن لم يجرِ الاتفاق مع الأطراف الأخرى في كابل على هذا الأمر، وهذا ما أكده الرئيس الأفغاني أشرف غني، وأعلن صراحةً أنه ليس هناك تعهد بإطلاق سراح للمعتقلين، وقال: «لا يمكن للجماعة المطالبة بالإفراج عن سجنائها كشرطٍ مسبقٍ لإجراء محادثات مباشرة». بالمقابل، ترى حركة طالبان أنها ملتزمة بوقف العنف ضد القوات الأمريكية فقط، وليس ضد القوات الأفغانية الأخرى، وأعلنت مع بداية شهر آذار الحالي استئناف الأعمال ضد الحكومة، وكانت المتحدثة باسم وزارة الداخلية الأفغانية قد أعلنت أنّ: «طالبان نفذت 33 هجوماً في 24 ساعة ضد القوات الأفغانية في 16 إقليماً وقتلت ستة مدنيين».
الهدف الأمريكي المعلن والواضح هو انسحاب الولايات المتحدة من حرب تخوضها منذ 13 عاماً، والتي كلُّفت حسب بعض التقديرات أكثر من ترليون دولار، لكن هذا الانسحاب لا يعني إيقاف الحرب، بل يعني عدم وجود الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر في ساحة المعركة، وهذا يشكل جملة واسعة من المخاوف في داخل أفغانستان، وفي الدول المحيطة.

صورة ضبابية للمنطقة

في كلمة ألقاها ترامب في البيت الأبيض عقب توقيع الاتفاق مع طالبان، قال «إن الولايات المتحدة كانت تقتل الإرهابيين بالآلاف في أفغانستان» مؤكداً أن هذه المهمة اليوم باتت على عاتق حركة طالبان أو «الدول المحيطة». ولم يستبعد الرئيس الأمريكي أن تسيطر الحركة على كابل من جديد، واعتبر أن هذا سيكون شأن الحكومة الأفغانية، وهو ما يمكننا فهمه على أنه تفويض رسمي لحركة طالبان من قبل الولايات المتحدة لقتال الإرهاب بعد سحب صفة الإرهاب عن طالبان نفسها كأحد مخرجات الاتفاق الموقع بين الطرفين.

صواعق التفجير

تحمل أفغانستان اليوم صواعق تفجير أكثر من تلك التي حملتها قبل الاحتلال الأمريكي، تقسّم البلاد فعلياً إلى مناطق نفوذ، وتجري المعارك بشكل مستمر، والسلطة في كابل تشهد صراعاً بين محمد أشرف غني وعبد الله عبد الله، يضاف إلى كل هذا تصاعد العمليات التي تتبناها «داعش» وغيرها من الفصائل الإرهابية، والولايات المتحدة، ترى هذه الصورة بوضوح وتعوّل على «التفاعل الشرير» لهذه العناصر مع بعضها، فهي تدرك أن هذه العناصر لم تخلق من العدم، بل كانت نتاجاً لعمل حثيث لعقودٍ طويلة، ضمِن للولايات المتحدة ثلاث نقاط أساسية، الأولى كانت إنتاج الجماعات الإرهابية المتطرفة التي كانت أداة ضاربة في وجه استقرار المنطقة. الثانية إمكانية استخدام هذه الجماعات لإرهاق الدول المحيطة، مثل روسيا «وقبلها الاتحاد السوفيتي» والصين وإيران.. إلخ، وشن الحروب الأمريكية بذريعة محاربة الإرهاب. وثالثاً وهو ما نشهده اليوم، إمكانية الاتفاق مع هذه المنظمات التي كانت إرهابيةً في الأمس القريب، واستخدامها كأداة ضاربة بشكل معلن ومقونن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
956
آخر تعديل على الأحد, 21 آذار/مارس 2021 16:21