الأزمات السياسية العراقية والأفق المفتوح للشعب
يزن بوظو يزن بوظو

الأزمات السياسية العراقية والأفق المفتوح للشعب

منذ الغزو الأمريكي للعراق، ينقسم تاريخ حكومات بغداد إلى إدارة أمريكية مباشرة 2003 – 2010، وغير مباشرة ومشروطة بالتوازنات الإقليمية والدولية منذ 2010 وحتى الآن، ويتميز القسم الثاني منه بمعاناته من أزمات سياسية مستمرة، متأثرة بعدة عوامل، ما هي، وما الجديد مؤخراً

الإدارة الأمريكية

بعد الغزو في 2003، عيّنت واشنطن «جاي غارنر»، وهو جنرال أمريكي، كحاكم مؤقت على البلاد وتولى السلطة ضمن ما سُمي في حينه بـ«مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية»، وجرى حلّ الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، بعد إتمام المهمة، تم إنشاء ما سُمي بـ «سلطة الائتلاف المؤقتة» وترأسها «بول بريمر» حيث تم وضع دستور جديد في البلاد كان يحوي نواة المنظومة الطائفية وشكل «الديمقراطية الأمريكية». في 2004 تم تشكيل «الحكومة العراقية المؤقتة» لتكون السلطة الثالثة بعد الغزو، وحلت محل سلطة الائتلاف السابقة، بعدها تم اعتماد «الحكومة المؤقتة الانتقالية» والتي كانت مهامها الرئيسة الإعداد لقيام انتخابات برلمانية وحكومة عراقية دائمة بمدة 4 سنوات دورية، والمصادقة على دستور البلاد.

الحكومات «المستقلة»

بعد بضع مناوشات تم تكليف «نوري المالكي» رئيساً للحكومة وبعد عدد من الخلافات بين الكتل البرلماينة تم منحه الثقة والمصادقة على الحكومة الجديدة، لكن ما لبثت أن انتهت أول دورة حكومية بعد الغزو، وحان وقت الانتخابات الحكومية الثانية في 2010، حتى دخل العراق أزمة سياسية أدت إلى استعصاء استمر ثمانية أشهر، حيث تعمّقت الخلافات داخل القوى والكتل السياسية ضمن البرلمان، لتنتهي بإعادة انتخاب نوري المالكي للمرة الثانية بشكل «تسوية» غير معلنة، والمصادقة على حكومته. في الدورة المقبلة، عام 2014، كانت قد تعمّقت الخلافات، وتسعّرت إثر توتر الأوضاع الإقليمية والمحلية على كافة الصعد، لكن مع وجود تهديد «داعش» الذي كان يسيطر على جزء كبير من الأراضي العراقية بالإضافة إلى احتمالات توسّعه، فقد طغى الشأن العسكري والأمني على الخلافات السياسية وتم انتخاب «حيدر العبادي» في حينه، في الفترة بين 2014 و 2018، تم تحرير جزء كبير من الأراضي العراقية الواقعة تحت سيطرة «داعش» وعاد النشاط البرلماني والحكومي بالظهور، في 2018 عاد البرلمان ليدخل أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، وجرى التصويت على «عادل عبد المهدي» باعتباره «مستقلاً» وضمن ما تم التوافق عليه اصطلاحاً كـ«مرشح تسوية»، لم يكمل الأخير دورته وأعلن استقالته في ربعها الأول أواخر عام 2019 إثر الاحتجاجات الشعبية الواسعة، لتدخل الحكومة العراقية، من جديد، أزمة تشكيل حكومة لم تنتهِ حتى هذه اللحظة.

العوامل المحيطة

عملياً، وبناءً على ما سبق، فإنَّ العراق يعاني من أزمة سياسية ضمن القوى والتيارات العراقية المنضوية في البرلمان منذ عام 2010، وحتى هذه اللحظة، ويعزى السبب بذلك إلى عدة عوامل، منها ما هو محلي كالتناقضات الطائفية والقومية التي فرضتها واشنطن عبر «الديمقراطية»، والاحتجاجات الشعبية في أعوام 2011 و 2013 و2015 وأخيراً 2019، بالإضافة إلى تأثير الصراعات الإقليمية والنشاط الإرهابي ضمن هذه الفترة. وما هو إقليمي كالصراع الإيراني- الأمريكي وتأثيره على القوى السياسية العراقية، والدولي متمثلاً بالتراجع الأمريكي وضعف قدرة واشنطن المتزايد على فرض هيمنتها أو خططها دولياً بما فيها العراق.
إن أكثر ما يمكن رصده ضمن هذه الفترة بين عامي 2010 و 2020، هو ازدياد تأثير الاحتياجات الشعبية وتكرارها، هذا التأثير المتنامي والضاغط بشكل كبير على قوى السياسية في حين كانت القوى السياسية في السابق تقع تحت تأثير التجاذب إقليمي والدولي فقط، فتصاعد دور لاعب جديد- قديم أصبح دوره أساسياً شيئاً فشيئاً.
مع نهاية 2019 وبداية 2020 كانت معظم الاعتبارات والخلافات السياسية تتأثر بموقف الشارع العراقي باحتجاجاته ومطالبه إلى حدٍ بعيد. مع التأكيد على عدم تناسي العوامل الأخرى في المعادلة. أي وبمعنى آخر، إن المبادرة والقرار بالشأن العراقي والتي كانت مرهونة، بالدرجة الأولى، للتوازنات الخارجية، باتت تدخل وبشكل تدريجي ضمن نطاق تأثير الشارع وحراكه المستمر، ونمو وزن الشارع في العراق يجري بالتزامن مع تغيير موازين القوى الدولية والتي باتت بشكلها الحالي تضع حاجز صدٍّ أمام التدخل الخارجي والأمريكي تحديداً، وهو ما يعني أنَّ واشنطن لم تعد تملك القدرة ذاتها على فرض «أفضل السيناريوهات» للمنطقة. ومن هذه النقطة نستطيع القول إن إمكانية التغيير بالنسبة للعراقيين أصبحت أكبر، وهو ما يجعل قوى الفساد في الداخل تسعى إلى تأجيل خلافاتها على الحصص قليلاً على أمل أن تنجح في وأْدِ الحركة الشعبية العراقية التي يشتدُّ عودها يوماً بعد يوم.

الأفق المفتوح للشعب العراقي

إن ما يجري اليوم في العراق، يمكن تسميته مجازاً «مرحلة انتقالية» ليتسلم خلالها الشعب العراقي زمام المبادرة، ويخوض خلالها تجربته الميدانية والسياسية مستقلاً وبعيداً عن الأحزاب التقليدية والطائفية المنتمية للتوازن الدولي السابق، كما يعبر بذلك وضوحاً عبر رفضه للجميع «شلّع قلّع كلهم حرامية» ويدرك فيها وزنه وحجم تأثيره... وسواء في هذا الحراك الجاري الآن، أو التالي، إذا ما توقف نشاطه مؤقتاً الآن، سيتطور تأثيره من فرض مطالبه على الحكومة العراقية بقواها السياسية، إلى إدارتها بنفسه عبر أشكال وقوى سياسية جديدة تعبر عنه، ويشترط هذا التطور بسرعته أو تباطئهِ بتراجع التاثيرات الخارجية وقدرتها إلى إمداد ومساندة القوى السياسية التقليدية، وعلى رأسها واشنطن، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانسحاب الكامل من المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
955
آخر تعديل على الإثنين, 02 آذار/مارس 2020 13:18