محطات من الدورة الـ 56 لمؤتمر ميونخ للأمن

محطات من الدورة الـ 56 لمؤتمر ميونخ للأمن

فيما يلي بعض المحطات التي يجدر بنا الإضاءة عليها ضمن مؤتمر ميونخ للأمن

الدور الأمريكي المضطرب

تحدث التقرير عن تراجع قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على المشاركة الفاعلة في الأزمات المحيطة، وأشار إلى أنها لم تستطع تحقيق نجاح يذكر في عدد من الملفات مثل كوريا الشمالية وبرنامج إيران النووي والأزمة في فينزويلا، لا بل إن محاولاتها ارتدت عليها بشكل سلبي، وأضاف التقرير إن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، وعلى الرغم من أنه كان مسبوقاً بالعديد من التلميحات، إلا أنه كان صادماً للبعض، وفتح نقاشاً جديداً حول موثوقية الإدارة الأمريكية التي انسحبت «تحت جنح الظلام»، فهذا السلوك الذي ينقصه الكثير من التنسيق بين الحلفاء كان بالنسبة لكتاب التقرير الأمني السبب الرئيس لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الموت الدماغي الذي يعاني منه حلف شمال الأطلسي.
وعلَّق التقرير على تصريح قديم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي أطلقه في حملته الانتخابية إذ قال حينها «القوات الأمريكية تقاتل في الشرق الأوسط منذ ما يقارب 19 عاماً، وكمرشح للرئاسة أتعهد بتوجه مختلف، فالأمم العظيمة لا تخوض حروباً غير منهية». فقال التقرير إن توجّه الرئيس الحالي وغيره في الابتعاد عن «الحروب غير المنتهية» لم ينتج عنه غير نقل قواتهم من بؤرة نزاع إلى آخرى، وهذا ما نتج عنه قلق من قبل حلفاء الولايات المتحدة حين شعروا أنَّ ظهورهم قد تترك مكشوفة في مناطق محددة، وأكَّد التقرير أن مواقف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في شرق آسيا لا تختلف كثيراً.
وتحدث التقرير أيضاً عن الوضع الأمريكي الداخلي وأنه يزيد التحديات أمام السياسة الخارجية الأمريكية فالتغيرات الكثيرة في مناصب أساسية في وزارة الخارجية والدفاع أضعفت البلاد أكثر، وأشار إلى أنَّ الاستقطاب السياسي الداخلي يؤثر سلباً على نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي، وهو ما يرسِّخ عجزها بنظر الدول الأخرى عن ممارسة دورها السابق، ونظراً لأنه لا يبدو هناك حلٌ قريب للأزمة الأمريكية الداخلية، مما سيجعل الولايات المتحدة مضطرة لتأخذ وقتاً مستقطعاً بالمعنى الإستراتيجي.

الصين: العالم عائلة واحدة

في حديث لعضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال المؤتمر، أكد فيه على أنه بات من الضروري تجاوز الخلاف بين الشرق والغرب، وبين الجنوب والشمال، في محاولة لبناء مجتمع المصير مشترك للبشرية، وقال إن تعزيز الحوكمة العالمية والتنسيق الدولي أمر ملح في الوقت الراهن.
وأضاف وانغ أنه ينبغي أن تتمسك الدول بالتعددية، وتسعى نحو تحقيق تنمية مشتركة، مما يتعارض مع منح الأولوية لدولة واحدة، ليكون بذلك لكل الدول حقٌ في التنمية. وأشار إلى أن الغرب بات مطالباً اليوم بالتخلص من عقلية التفوق الحضاري، ويجب عليه أن يتخلى عن تحيزه وقلقه من الصين، وأن يكون داعماً لنهوض دولة جديدة من الشرق تختلف عن دول الغرب. مضيفاً أنه من غير الممكن أن يتحقق تقدم البشرية إذا لم يطبق مبدأ التعددية.
واستفاد وانغ من هذه المناسبة ليذكِّر العالم أن فايروس كورونا جعل البشر يدركون أننا نعيش حالياً عصراً تتداخل فيه التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية. ويمكن أن تتحول قضية إقليمية إلى مشكلة عالمية، والعكس صحيح. لذلك، لا يمكن لأي بلد أن يبقى بمفرده، وأن يكون محصناً ضد التهديدات. بدلاً من ذلك، كل الدول مترابطة وبينها مصير مشترك.
وفيما يخص العلاقات الصينية العالمية، قال وزير الخارجية إن الصين ستواصل تعميق الشراكة الإستراتيجية للتنسيق مع روسيا، وستعمل مع الولايات المتحدة لاستكشاف سبل التعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين، بالإضافة إلى تعميق التعاون الشامل مع أوروبا، وقال إن اقتراح الصين بناء مجتمع قائمٍ على المصير المشترك للبشرية يستند إلى التقليد الثقافي الصيني الذي يقول «كل من تظله السماء ينتمي إلى عائلة واحدة».

دعوة روسية:

اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ «البيت الأوروبي المشترك» بات يحتاج إلى صيانة شاملة، ودعا الدول الأوروبية مجتمعة إلى تغيير سياستها اتجاه موسكو، مذكراً أن هذا التناحر مع موسكو لن يفيد، وأكد لافروف أن تشكيل مجال مشترك يمتد من البرتغال حتى ميناء فلاديفوستوك الروسي سيفيد الجميع. ودعا إلى تشكيل مجتمع أمني للمنطقة اليورو- آسيوية بأكملها كنموذج مقابل لحلف شمال الأطلسي.
وأضاف في مكانٍ آخر، أن العديد من الحضور في المؤتمر تحدثوا عن تراجع نفوذ الغرب وبعضهم أبدى قلقاً أو شعر بالأسف، إلّا أن شعار المؤتمر «Westlessness» يتجلى في عدد من القضايا، منها مثلاً أن الدول الأوروبية بدأت بالبحث عن «الجناة» داخل المعسكر الغربي وأشاروا إلى واشنطن ويتهمونها بأنها تنسى مصالح أوروبا وتنفذ سياستها المنفردة.

التيارات الشعبوية في أوروبا

تحدث التقرير الأمني للمؤتر بشكل مطول عن التيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تظهر بقوة على الساحة الأوروبية، واعتبر هذه الظاهرة «تهديداً للقيم الغربية»، وذكر التقرير العديد من وجهات النظر لتفسير هذه الظاهرة، كانت إحداها ترى في أن الليبرالية الاقتصادية لم تحقق عدالة كافية، وأنها كانت تخدم مصلحة نخبةٍ وبشكل غير متكافئ، مما شكل سبباً كافياً للطبقة الوسطى وطبقة العمال لتفقد الثقة بالنموذج القائم، وهذا ما سمح للقوى الشعبوية أن تقدم نفسها كبديل وحل للمشكلة. واعتبر التقرير أنّ شعارت مثل «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» والشعار البريطاني «لنستعيد السيطرة» هي شعارات مضللة فهي «تحاول استعادة ماضٍ لم يكن، وتقدم وعوداً لا يمكن تحقيقها».

معلومات إضافية

العدد رقم:
954
آخر تعديل على الإثنين, 24 شباط/فبراير 2020 13:06