يزن بوظو يزن بوظو

القضية الفلسطينية وضرورة توحيد الصفّ

جرت خلال الأسبوع الماضي زيارة كلٍّ من الرئيسين فلاديمير بوتين وإمانويل ماكرون إلى بيت لحم في فلسطين المحتلة للقاء رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس، بعد عدد من الأحداث والتصريحات السياسية الصادرة عن واشنطن وحكومة الاحتلال.

دارت تلك الأحداث حول ضم غور الأردن ومنطقة شمالي البحر الميت إلى كيان الاحتلال، وعودة الحديث عما يسمى بـ«صفقة القرن» في مواجهة «حل الدولتين» ... فما دلالات تلك الزيارات، وما مدى جدية الحديث عن ضم أراضٍ جديدة، وآفاق تطور القضية الفلسطينية؟

قنابل إعلامية

تأتي تصريحات حكومة الاحتلال حول ضم مناطق جديدة، بالتوازي مع استمرار أزمتها في الاستعصاء الجاري عن تشكيل حكومة وبقائها في سياق حكومة تصريف أعمال برئاسة بنيامين نتنياهو، مع ما تسببه من أزمة شعبية، لتكون تلك التصريحات بمثابة قنابل دخان بالنسبة للداخل «الإسرائيلي»، أما في الشق العملي منها، فإن هذه القرارات لا تمثل أكثر من حبرٍ على ورق، حالها كحال القرارات السابقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلان الجولان السوري أراضي «إسرائيلية»... حيث لا يتعدى استخدامها أكثر من مواقف إعلامية، هي جُل ما تستطيع تقديمه واشنطن لحكومة الاحتلال في ظل تراجعها دولياً، وتتلقفها الأخيرة لتأريض حدة أزمتها السياسية داخلياً.

«صفقة القرن» ميتة

أما بما يتعلق فيما سمي بـ«صفقة القرن» الأمريكية، فقد عاد الحديث حولها بعد دعوة الرئيس الأمريكي كلاً من نتنياهو وغانتس لزيارة واشنطن لمناقشة «خطة السلام» في المنطقة، هذه الصفقة التي لا يُعرف عنها شيء حتى الآن، ولربما حتى الأمريكيون و«الإسرائيليون» كذلك، حيث إن كل التسريبات والتصريحات المتعلقة بها وبمضمونها منذ إعلانها وحتى اليوم، مُتغيرةٌ بتغير الظرف وتطور الأوضاع في المنطقة. وقد جرى منذ عدة شهور إطلاق الشقّ الاقتصادي منها، والذي لاقى فشلاً بكل معاني الكلمة في حينه، ويدور الحديث الآن عن الشق السياسي والنهائي لها، إلا أن ترامب نفسه قد أكد عدم صحة هذه «التكهنات»، ونتابع هنا بالقول إن سبب ذلك قد يعود لعدم وجود شقٍ سياسي أساساً، على الأقل حتى الآن، ناهيك عن أن أولوية ما يعمل عليه «الإسرائيليون» في هذه اللحظة هو كيفية حل أزمتهم السياسية الداخلية بين إعلان انتخابات جديدة أم تشكيل حكومة وحدة. وفي ظل هذه الأزمة لا يمكن الحديث عن طرح أي مشروع سياسي عملياً حتى وإن افترضنا وُجوده.

النشاط الروسي

أنشأ التراجع الأمريكي وعلى كافة الصُعد فراغات في عدد من الملفات الدولية، منها القضية الفلسطينية، ويمكن تلمس هذه الفراغات بعجز واشنطن عن تقديم أيّة خطوة عملية حقيقية لصالح حلفائها أبعد من القنابل الإعلامية كما ورد سابقاً... وبعد تعاظم الدور الروسي في المنطقة، وتحديداً بالأزمة السورية، ونتائج هذا الدور على المستوى العسكري والسياسي وتقديم حلول حقيقية، فقد توسع نشاط موسكو ليدخل فعلياً بالملف الفلسطيني بمستوى أكبر وبوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، لتقدم نفسها وسيطاً عوضاً عن واشنطن، الأمر الذي لا يمكن لأيّ من الأطراف سواء في الحكومة الفلسطينية أم «الإسرائيلية» تجاهله. يطرح الجانب الروسي مبدأ «حل الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية وفق حدود عام 1967، مستنداً بذلك إلى عدد من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وهو ما أكده بوتين أثناء لقائه عباس مؤخراً، ولا يمكن لأي من الأطراف معارضته قانونياً، وتسير الخطوات بإتجاه صنع الأرضية السياسية لتنفيذه.

الموقف الفرنسي

أما بالنسبة لفرنسا، فقد تحدث ماكرون أيضاً عن رفض بلاده لما يسمى بـ«صفقة القرن» والتنديد بالإعلانات الأمريكية و«الإسرائيلية» بضم أراضٍ جديدة، وتأييده لفكرة «حل الدولتين». إلا أن الموقف الفرنسي هذا لا يأتي على غرار الموقف الروسي بغاية حل المسألة فعلياً انطلاقاً من مصالح موضوعية بهذا الحل، وإنما يمكن وصفه بأنه محاولة ركوب اتجاه موجة الميزان الدولي الجديد وتطوراته التي تسير بغير المصلحة الأمريكية أو «الإسرائيلية» على حد سواء، بغاية رفع الوزن الفرنسي إقليمياً ودولياً مستقبلاً وتعزيز العلاقات السياسية مع روسيا، وبهذا الصدد يكون الدور الفرنسي مساعداً في عملية «حل الدولتين» إلا أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال الاعتماد عليه وحده.

نحو فرزٍ أعمق

تشكل هذه التطورات بالملف الفلسطيني تباينات وفرزاً أعمق بمواقف جميع القوى السياسية الفاعلة فيه، سواء كانت فلسطينية مباشرةً أم إقليمية وعربية من حكومات وتيارات، حيث تنقسم القوى السياسية بين من بات ينعي القضية الفلسطينية متأثراً بذلك بالقنابل الدخانية والإعلامية التي يطلقها «الإسرائيليون» والأمريكيون وما باتوا يسمونه بـ «سياسة الأمر الواقع»، لدرجة أن نرى مقالات تحمل عنوان «فلسطين راحت». وبين القوى التي ترى وتعي التراجع الأمريكي وأزمة الكيان وضعف مجمل التيار الصهيوني، وتتنبه للدور الروسي الجديد وإمكانية «حل الدولتين» وبناء الدولة الفلسطينية وفق حدود 1967 مبدئياً، لتبدأ إثر ذلك بالبحث عن العوامل الفلسطينية الذاتية المعيقة باتجاه هذا الأمر وحلحلتها، حيث أكبرها هو حالة الانقسام الفلسطيني الجارية، ليدعو أمين حركة المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي لإنهاء حالة الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، معترفاً بضعف الدور الذاتي للفلسطينيين إثر الانقسامات، ودعا عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الاسلامي، خالد البطش، رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس للقدوم إلى قطاع غزة، والبدء في إجراءات إنهاء الانقسام أيضاً.

اتجاه واحد

بصرف النظر عن مدى إمكانية وجدية مختلف القوى الفلسطينية الآن على التخلي عن خلافاتها وتوحيد الصفّ، إلا أن هذا الأمر ورغم قِدم الحديث حوله، بدأ يتحول أمراً واقعاً بفعل الضرورة الموضوعية الجديدة التي تفرضها المعادلات الدولية الناشئة، حيث إن الظرف السياسي دولياً يسير لصالح الفلسطينيين، وما يؤثر على إسراع أو تأخير هذا الأمر مؤقتاً هو الظرف الذاتي بين انقسام الصف ووحدته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
950
آخر تعديل على الإثنين, 27 كانون2/يناير 2020 13:13