ليبيا...الرؤوس الحامية تبرد تدريجياً!
يبدو أن التصعيد الذي تشهده ليبيا في الفترة الحالية يقترب من التهدئة، ويتضح أن أطرافاً فاعلة ومؤثرة تدفع باتجاه نزع فتيل التفجير الذي بات يهدد دول المنطقة كلها لا ليبيا وحدها، فأعلنت الأطراف المتنازعة في ليبيا عن هدنة تبدأ من ليل يوم السبت 12 كانون الثاني.
بعد أن حصل الرئيس التركي على تفويض من البرلمان لإرسال قوات تركية للقتال في ليبيا، وكل ما رافق ذلك من تصعيد في المنطقة، تبدو تركيا أكثر إدراكاً لخطورة هذا التورط، وعلى الرغم من أنها لم تتراجع بشكل نهائي إلى الآن، إلا أنها لم تعد بنفس درجة الإندفاع الذي شهدناه في الأسابيع الماضية، ويتضح هذا من خلال إرسالها لعدد قليلٍ جداً من الجنود لم يتجاوز بضع عشرات، بالإضافة إلى التعاون مع روسيا بشكل إيجابي في هذا الملف.
نتيجة التحركات الروسية
تتالت الأحداث منذ زيارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين إلى أنقرة، حيث جرى بحث جملة من الملفات الإقليمية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وكانت الأزمة الليبية حاضرة على طاولة المفاوضات في العاصمة التركية، ويعتبر البيان الختامي لقمة الرئيسين خطوة مهمة في هذا الملف، فجرى التأكيد ضمن البيان الصادر بتاريخ 8 كانون الثاني على أن لا حل في ليبيا إلى عن طريق «عملية سياسية يقودها ويملكها الليبيون» ورفض البيان الخيار العسكري، وجرت ترجمة هذا الرفض بالمعنى الملموس عن طريق إعلان الطرفين «روسيا وتركيا» عن أنفسهم كوسطاء بين الأطراف الليبية المتنازعة، وأعلن نص البيان الختامي عن وقف لإطلاق النار بشكل مستدام يكون «مدعوماً بالتدابير الضرورية التي يتعين اتخاذها لتحقيق استقرار الوضع على الأرض، وتطبيع الحياة اليومية في طرابلس وغيرها من المدن، والجلوس فوراً حول طاولة المفاوضات بهدف وضع حد لمعاناة الشعب الليبي وإعادة السلام والازدهار إلى البلاد».
تلقى البيان ردود فعلٍ إيجابية من الأطراف الدولية والإقليمية، ومن الأطراف الليبية أيضاً، فأعلنت حكومة «الوفاق الوطني» بقيادة فايز السراج ترحيبها بنتائج القمة الثنائية، وأبدت استعدادها للالتزام بوقف إطلاق النار المعلن عنه، أما قوات المشير خليفة حفتر، والتي تخوض معارك شرسة في محاولة مستميتة للسيطرة على طرابلس، رفضت بداية وقف إطلاق النار ثم أعلنت يوم الجمعة 11 كانون الثاني عن وقف كافة الأعمال القتالية في العاصمة طرابلس وغيرها من المناطق.
خطوة على الطريق الصحيح
لا يمكننا القول إن إيقاف إطلاق النار هذا سيكون وقفاً مستداماً ونهاية للصدام المسلح الذي يجري على الأرض الليبية، فسيشهد هذا الاتفاق خرقاً من هنا وهناك ويبقى احتمال فشله احتمالاً قائماً، إلا أنه يعد بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن ان يمهد وقف إطلاق النار هذا– إن استمر– لخطوات لاحقة تكون أكثر استقراراً وفاعلية.
يعد الشكل الذي تطور ضمنه السيناريو الليبي نموذجاً سيء الصيت، فهو يسمح بتدخل دائمٍ في الشأن الليبي الداخلي لمصلحة هذه الدولة أو تلك دون أن يُسمع صوت الليبين، ودون أن تُصان مصالحهم، والواقع الذي تشهده ليبيا اليوم جعل منها بؤرةً لتصدير الإرهاب والإتجار بالبشر ومركز انطلاق الجزء الأكبر من الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا، بالإضافة إلى البضائع الأخرى التي يقتات عليها الاقتصاد الأسود الإجرامي، وهذا ما بات مصدر قلقٍ حقيقي يهدد الأمن القومي لكل شمال إفريقيا ودول حوض المتوسط كافةً، لا بل يهدد الأطراف الليبية المتصارعة ذاتها، ولا يخدم إلا قوى الفاشية على مستوى العالم، وإذا كانت عودة الأزمة الليبية إلى العناوين الرئيسة في الفترة الماضية مرتبطةً بالخطوة التركية الاستفزازية عن طريق توقيع الاتفاقية مع حكومة السراج، إلا أن بقاء الأزمة الليبية دون حل حقيقي يفتح الباب على كل أشكال الأزمات في المستقبل.
يبدو دور القوى الصاعدة على المستوى العالم أشد وضوحاً، فنحن نشهد عمليات لنزع صواعق التفجير المحتملة في العالم، ويجري هذا بشكل واعٍ ودقيق، ولن تكون منطقة شرق المتوسط حالةً شاذة على مستوى العالم، فيجري تثبيت نجاحات روسية-صينية في العديد من بؤر التوتر العالمي وهذا يزيد بشكل كبير من احتمالات التهدئة ويزيد من فرص حل الأزمة الليبية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 948