الحراك العراقي ينتصر ويُثبت نفسه يوماً تلو آخر!
يزن بوظو يزن بوظو

الحراك العراقي ينتصر ويُثبت نفسه يوماً تلو آخر!

«... مهما كان فلا تحتربوا- فالمرحلة الآن- لبذل الجهد مع المخدوعين- وكشف وجوه الأعداء- المرحلة الآن لتعبئة الشعب إلى أقصاه- وكشف الطباخين- وأيّ حصاة طبخوا بالوعد وبالماء- هذي مرحلة ليس تطول- وأول سيف يشهر ضد الثورة- مشبوه عن سابع ظهر- من كل الفرقاء». الشاعر العراقي مظفر النوّاب، قصيدة «بيان سياسي».

دخلت ما بات يُعرف بـ«انتفاضة تشرين» العراقية أسبوعها الخامس على التوالي، في جملة من المظاهرات والاعتصامات والإضرابات المستمرة يومياً بكل ثبات وحزم، منددةً بالوضع المعيشي المتردّي بالبلاد، ومستويات البطالة المتزايدة، وسوء الخدمات، ونبذ الطائفية/ مُطالبين بذلك إقالة الحكومة وتغيير النظام القائم بمختلف التيارات السياسية المنضوية ضمنه، وبإسقاط الفساد ومحاسبته واستعادة الأموال، نحو نظامٍ جديد وطني عابرٍ لمنظومة التحاصص والتقسيمات المذهبية التي فُرضت على العراق بعد الحرب الأمريكية في 2003.

الحراك فرض نفسه

إنّ هذا الحراك العراقي قد خرج من جحيم تراكمات ستة عشر عاماً من منظومة نهبٍ وفساد استنزفت البلاد والشعب لصالح فرقائها. لتتعرض هذه الحركة الشعبية منذ يومها الأوّل إلى المُحاربة والقمّع بشتّى الأشكال، العلنية والواضحة والمجهولة، من مختلف الأطراف والجهات، وعلى رأسها الحكومة العراقية بتيّاراتها، ليصل عدد القتلى المعروف والمُعلن حتى لحظة كتابة هذا المقال نحو 300 عراقيّاً. لكن ورغم كُل هذا الإجرام بحقّ الحركة، بقيت ولا تزال، بزخمها ذاته يومياً، وبمطالبها أيضاً، فارضة على الحكومة العراقية بكل تياراتها الإعتراف بها منذ أسبوعها الأول رغم القمع، وتلا ذلك إعلان تنازلات عدّة مستمرة إلى الآن من هذه الحكومة، وإن كانت شكليّة من حيث الفعل والأثر. فأمّا على مستوى الحلول الحقيقية والجدية، يُدرك العراقيون أنّ هذه الحكومة الحالية في هذه المنظومة، كسابقاتها، لن تُنتج إلا مزيداً من الوعود الزائفة والمشاكل الأكبر والأعمق بحال استمرارها.

غياب قوى سياسية

بعد أكثر من شهرٍ من الاحتجاجات العراقية حتى الآن، لم يظهر أيّ تيار أو جهة سياسية استطاعت أن تُمثّل الحراك ومطالبه فعلياً، لتُسرّع من العملية وإنجازها. فرغم إعلان عدة قوى مواقفها لصالح الحركة ومشاركتها المظاهرات، إلا أنّ الأخيرة لم تُظهر قبولها بها كممثلٍ عنها، حيث يسود الاعتبار نحو هذه القوى، استناداً لتاريخها وأفعالها اتجاه الشعب العراقي، بأنها جزء من المنظومة القائمة، وتسعى لامتطاء الحركة بغاية تحقيق مكاسب خاصة لا علاقة لها بالمطالب الشعبية، كتحالف «سائرون» والتيار الصدري، اللذين كانا جزءاً من الحكومات المتعاقبة ضمن هذه المنظومة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود خطة عمل أو برنامجٍ سياسيّ واضح إلى عملية التغيير وما بعدها لدى أيّ من القوى السياسية كي تجمع الحراك الشعبي خلفها وتدفع به.

ذريعة التدخلات الخارجية

إضافة إلى العنف والقمع، وغياب قوى سياسية تعبّر عنه، يتعرض الحراك إلى مخاطر عدة متوقعة من محاولات تدخلٍ وحرفٍ لأهدافه من قوى داخلية وخارجية، الأمر الذي تتخذه مختلف الجهات «ذريعةً» لإنكار الحراك ونعيه وردعه بمستويات أعلى أيضاً، وكأنّ هذه المحاولات غريبةً أو جديدة في عالم اليوم. فأيّ حراكٍ لن تسعى مختلف القوى لامتطائه؟ وأيّ حراكٍ لن يسعى الخارج على العبث به؟ إنّ إنكار هذا الأمر عن واقع اليوم، وكأنه شيءٌ غريبٌ، لا يأتي سوى من كونه أداةً سياسية بيد الفُرفقاء وتحالفاتهم الدولية لضرب الحراك نفسه، ودون معالجة، ليشكّل هذا الأمر في نهاية المطاف أرضيّة خصبة أكثر لتنشيط التدخلات الخارجية هذه. إنّ أفضل وسيلة، لتأريض مآرب القوى الأجنبية وخططها، تكون أولاً عبر الإنصات وتنفيذ مطالب الحراكات الشعبية هذه. لكن من جهة أُخرى، ومن زاوية الحراك نفسه، ورغم كل هذه العوامل، فما يجري فيه في حقيقة الأمر يُزعج هؤلاء الذين يتهمونه بوجود «أجندات خارجية» حيث رغم كل العويل والتهويل من مختلف الأطراف سياسياً وإعلامياً، أثبت الحراك العراقي وعيه وتنبهه لهذه المآرب القادمة من الخارج، فلا تزال الصورة العامة والسائدة فيه، هي المطلبية ذاتها، ولا يزال هدفه: تغيير منظومة المحاصصة القائمة في البلاد بكل أطيافها.

ثنائية أمريكا/إيران

بالحديث عن التدخلات، في الظرف العراقي، فإنّ أكثر ما يتصدر من هذه الإدّعاءات هي في ثنائية الولايات المتحدة الأمريكية/إيران، وإذا ما أراد أحد أن يكون موضوعيّ في التوصيف، فإن هاتين الدولتين موجودتان في البلاد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، كأمرٍ واقعٍ قبل أيّ حراكٍ شعبيّ أساساً، لتأتي «انتفاضة تشرين» ذاتها وعبر هدفها بالتغيير نحو إقامة نظامٍ وطنيّ، برفض ونبذ كُل التدخلات الخارجية نفسها، والتي كانت الحكومات العراقية قائمة عليها في هذه المنظومة منذ تأسيسها من «بريمر» الأمريكي أولاً. فالخوف هنا ليس على الحراك العراقي نفسه، وإنما قادمٌ من القوى المُنخرطين في منظومة النهب والمستفيدين منها. لذا وبعيداً عمّا تضيء عليه وتروّج له وسائل الإعلام المختلفة المرتهنة في خطّها لهذا الطرف أو ذاك، من حوادث عرضية وتضخيمها في الحراك العراقي، خدمةً لهذا الطرف أو ذاك، فإن ما يجري على الأرض وما هو سائد في الحراك: نبذ أيّ تدخلٍ خارجيّ أكان فيه أو في البلاد بعدَ التغيير.

لا خوف على الحراك

في الحقيقة، ورغم كل ما سبق ذكره، من مخاطر كبرى تحوم فوق الحراك العراقي وتسعى إلى إعاقة تطوره وتحييده عن أهدافه، مما قد يُخيّل للبعض بأنّه ساكنٌ منذ انطلاقته، فإنه يصنع انتصارات مستمرّة منذ ذلك الحين، فصموده بوجه ماكينه القتل انتصار، ورفضه لمن يحاول امتطاءه داخلياً بغياب قوى سياسية تمثله وتنصحه هو أيضاً انتصار، وفرضه على الحكومة إعلان عدة تنازلات انتصار، وعدم انجرافه رغم كل محاولات التعبئة السياسيّة والإعلامية لصالح أيّة قوى خارجية، هو أيضاً إنتصار ويُعبّر ليس عن مستوى وعيّ شعبي عالٍ فقط، بل عن درجة ما من التنظيم الناشئ والجنيني فيه، حيث رغم تنوّع المظاهرات في مختلف المحافظات والمناطق لم يجعل من أيّ منها، إلا ما ندر وجرت معالجتها من الشعب نفسه، ان تقع ضحيّة تعبئة لهذا الطرف أو ذاك بمطالبها وشعاراتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
939
آخر تعديل على الإثنين, 11 تشرين2/نوفمبر 2019 11:42