عملاء لحد وضرورة إرساء «قواعد الاشتباك» الشامل!
عماد  طحان عماد طحان

عملاء لحد وضرورة إرساء «قواعد الاشتباك» الشامل!

ضجت الساحة اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية بقضية العميل اللحدي عامر إلياس الفاخوري المسؤول سابقاً عن معتقل الخيام الشهير في الجنوب اللبناني، والمعروف بين أهل الجنوب وعلى المستوى اللبناني بجزار الخيام، والذي يعود له «الفضل» في اختراع طرق جديدة في التعذيب وصولاً إلى الموت.

معتقل الخيام، هو البديل «الإسرائيلي» عن معتقل أنصار الذي اضطر جيش الكيان إلى الانسحاب منه ضمن انسحابه الجزئي من الجنوب اللبناني عام 1985 تحت ضربات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في حينه، والتي أطلقها، الحزب الشيوعي اللبناني وكان القوة الأبرز فيها.
استخدم معتقل الخيام على غرار معتقل أنصار، كسجن يشرف عليه الاحتلال ويزج فيه بالمقاومين بالدرجة الأولى، ويديره بشكل مباشر عملاء أنطوان لحد، أو ما كان يسمى في حينه «جيش لبنان الجنوبي»، والذين فرّ ما تبقى منهم مع بعضٍ من أهاليهم باتجاه فلسطين المحتلة عام 2000 إثر استكمال تحرير القسم الأكبر من الجنوب اللبناني عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

ملف العملاء

في إطار التوافقات السياسية اللبنانية ابتداء من أواسط التسعينات، وبشكل خاص في العقد الأول من القرن الجديد، جرى الوصول إلى «حلول وسط» حول ملف العملاء تقضي بضرورة مرور ملفهم عبر القضاء وصولاً إلى محاكمات عادلة لهم، وجرى السير خطوة إضافية في هذا السياق في تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله المعلن بتاريخ السادس من شباط 2006، والذي نص أحد بنوده على ما يلي: «انطلاقاً من قناعتنا أن وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدو، فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى «إسرائيل» تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم إلى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع؛ لذلك نوجه نداء لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب «الإسرائيلي» من جنوب لبنان واستلهاماً بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب».
في إحدى زياراته الأخيرة إلى الجنوب اللبناني، وقبل مسألة الفاخوري، استخدم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل مصطلحاً جديداً في وصف اللبنانيين الموجودين في دولة الاحتلال؛ مصطلح «المبُعدين»، والذي لا يخلو من معنى سياسي.

عودة جزار الخيام

وصل جزار الخيام إلى مطار بيروت الدولي منذ أيام قليلة، وذلك بعد 23 عاماً من الحكم الصادر بحقه غيابياً بتاريخ 24-7-1996 ويقضي بسجنه 15 عاماً بتهمة الاتصال مع العدو.
بالتزامن مع الضجة حول المسألة، انتشرت صورة تجمع العميل الفاخوري مع قائد الجيش اللبناني جوزيف عون في السفارة اللبنانية في الولايات المتحدة تعود لحفل استقبال أقامته السفارة في تشرين الأول من العام 2017. بهذا الخصوص، أصدرت قيادة الجيش اللبناني توضيحاً مضمونه أنْ لا معرفة سابقة لقائد الجيش بالمدعو، ووصفه التوضيح بالعميل، وأنّ الصورة التقطت في سياق حفل الاستقبال الذي دعت إليه السفارة.
المعروف بين الأوساط السياسية اللبنانية، والوسط الديبلوماسي والصحفي خاصة، أنّ الدعوات إلى حفلات استقبال السفارات اللبنانية في العالم هي دعوات شخصية وليست دعوة مفتوحة، ما أثار موجة من الغضب في الشارع اللبناني تجاه ما وصفه الكثيرون بأنه تواطؤ تورطت به السفارة اللبنانية في واشنطن في الترتيب ليس لوجود الفاخوري في حفل استقبالها فقط، بل وبالتمهيد لعودته.

مواقف الأطراف السياسية

إلى جانب الموقف الشعبي الرافض لعودة الفاخوري، والمطالب بمحاكمته وعدم السماح بمغادرته لبنان دون محاكمة، (الأمر الذي يبدو أنه احتمال قائم بناء على ضغوط أمريكية يقال إنها تمارس على الحكومة اللبنانية بهذا الاتجاه)، فإنّ مواقف القوى السياسية اللبنانية تفاوتت في درجة حدتها تجاه المسألة؛ ففي حين اتخذ الحزب الشيوعي اللبناني موقفاً شديد الوضوح رافضاً لعودة الفاخوري وأمثاله من العملاء، ومطالباً بمحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم، إلى جانب النشاطات العديدة التي ينظمها في هذا الإطار، وبينها الاعتصام الذي دعت له لجنة الأسرى المحررين في الحزب الشيوعي اللبناني، فإنّ بعض القوى الأخرى شاركت الشيوعي اللبناني موقفه الواضح هذا، ولكن لم يمتد هذا الموقف الواضح لأي من أحزاب السلطة اللبنانية.
وإذا كان معروفاً أنّ حزب الله قد دفع إعلامياً بشكل غير مباشر، وعبر وسائل إعلامية محسوبة عليه أو قريبة منه، إلى تحركات في الإطار نفسه، إلا أنّ موقفاً رسمياً صارماً لم يظهر حتى لحظة كتابة هذه المادة، وهو أمر يثير تساؤلات لا بدّ من الوقوف عندها...

قواعد الاشتباك الشامل

كانت قد أشارت مادة في العدد الماضي من قاسيون تحت عنوان «قواعد الاشتباك ليست عسكرية فقط»، إلى ضرورة عدم الاستكانة إلى الفكرة القائلة بأن (التراجع الأمريكي سيضعف العدو الصهيوني ويكبله بشكل آلي، وبالتالي، الحفاظ على قواعد الاشتباك العسكري الراسية عام 2006 كافية الآن في إطار المواجهة مع العدو). أشارت المادة إلى خطورة هذه الفكرة، لأن من يحملها يسقط من حساباته الأدوات الأخرى المتعددة التي يستخدمها العدو الأمريكي الصهيوني ضد لبنان والمنطقة بأسرها، وعلى رأسها أدوات اقتصادية وسياسية معقدة.
إنّ «لعبة السلطة» في لبنان، بين الفرقاء اللبنانيين، والتي تحكمها درجات عالية من «البراغماتية» و«المرونة»، لم تعد صالحة للتعامل مع التهديدات والأخطار المحدقة بلبنان وشعبه، بل إنّ السلطة بأسرها بشكلها القائم على تحاصص النخب الطائفية على حساب الأغلبية الساحقة من اللبنانيين بمختلف طوائفهم، باتت مهددة ليس للوضع المعيشي وللاستقرار الاجتماعي في لبنان فحسب، بل وللمقاومة نفسها وللدولة ككل.
إنّ الارتباط بين المستويات الوطنية والديمقراطية والاقتصادية، هو ارتباط موضوعي، وليس بِدعة من اختراع الشيوعيين، ولذا فإنّ «قواعد اشتباك شامل» مع العدو، لا تقوم دون اكتمال هذه الثلاثية، ولا تقوم بطبيعة الحال على تفاهمات سياسية هنا وهناك (وتحت الشعار الواهي للسلم الأهلي) مع القوى اليمينية التي لا يخجل بعضها بإعلان مواقفه المتساوقة مع الأمريكي في لبنان وفي المنطقة.
كما لا يقوم اشتباك شامل، بغض الطرف عن تعاظم الفساد وعن تعاظم الجور التقشفي على عامة الناس لمصلحة قلة قليلة، وخدمة لديون وأزمات هذه القلة بالذات، وهي من أسست لها.
إنّ تراكم الأزمات المعيشية والسياسية في لبنان، يعطي للصورة اللبنانية أبعاداً أخرى، يجدر بالقوى الجذرية التقاطها بشكل جدّي، والسير فيها حتى نهاياتها. والمعطى الدائم في خلفية المشهد، هو أنّ التوازن الدولي الجديد يسمح، ودرجة استياء اللبنانيين من شكل السلطة القائم هو الآخر يسمح...

معلومات إضافية

العدد رقم:
931
آخر تعديل على الإثنين, 16 أيلول/سبتمبر 2019 12:47