منتدى سان بطرسبورغ: «الحرير» يربط بين القارات!.
في ختام مباحثاتهما، أعلن الجانبان: أن العلاقة الصينية- الروسية، «تدخل حقبة جديدة»، ووقّعا على إعلان مشترك حول «تعزيز العلاقات الثنائية والشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي»، بما يشمل قائمة طويلة من المعاهدات والاتفاقيات.
أبعد من شراكة
بنظرة أشمل، تتجاوز الإشارات الصادرة عن اللقاء بين الرئيسين الروسي والصيني و«منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي» حد التعبير عن المنفعة المتبادلة بين بلدين كبيرين في حضورهما الدولي، وأيضاً ما هو أبعد من شراكة إستراتيجية بينهما؛ موسكو وبكين أصبحتا الآن بصدد صياغة بديل جديد عالمياً في نظام العلاقات الدولية، يمتد عبر آسيا من أقصى شرقها إلى غربها وصولاً إلى أوربا، فقد بات واضحاً: أن تلك الإشارات تتصل بسلسة خطوات ومبادرات سبقتها وستليها في المناخ السياسي والاقتصادي العام:
«حزام واحد- طريق واحد»
كان إعلان الرئيس الصيني في عام 2013 عن فكرة «طريق الحرير في القرن الواحد والعشرين» في العاصمة الكازاخستانية بمثابة مبادرة دولية شاملة لتشبيك قارات العالم القديم. فالفكرة، التي تستند إلى إحياء طريق الحرير القديم الممتد من شرق آسيا إلى غربها ربطاً بأوروبا عبر البحر المتوسط، تحمل العديد من شروط النجاح في طياتها: الاستقرار السياسي يصبح شرطاً أساسياً في بؤر التوتر العديدة في وسط آسيا وشرقي المتوسط، كذلك يصبح من المطلوب وجود علاقة متزنة بين روسيا والصين من جهة، ودول الاتحاد الأوربي من جهة أخرى، بدلاً من التوتر بينهما، ويصبح ضرورياً أيضاً ابتكار نماذج في الإنتاج والنقل صديقة للبيئة وفقاً للمنظور الصيني.
الصين على الجبهة الاقتصادية
في مقابل ذلك، فإن الولايات المتحدة كانت قد جابهت الفكرة الصينية بنحو مبكر في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وذلك من خلال مشروعين، هما: مشروع «محور آسيا» (Pivot to Asia) ومعاهدة التجارة الحرّة المسماة «التجارة عبر الهادي» (TPP)، التي ضمت كل دول شرق آسيا باستثناء الصين، واعتمدت على توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول، لتمتين ارتباطها بواشنطن.
وفي عام 2015 أعلنت الحكومة الصينية عن «خطة تشغيليّة لمبادرة الحزام والطريق»، تضمّنت الخطوط العريضة للمبادرة التي دعت دول آسيا والعالم إلى الانضمام إليها، وجعلت المشاركة في البنك الآسيوي لتنمية البنية التحتية، الذي تساهم الصين بالحصة الأكبر فيه، المدخل للمشاركة في هذه المبادرة. كذلك أنشأت بكين صندوقاً لتمويل المشاريع المرتكزة على المبادرة سمته «صندوق طريق الحرير».
روسيا على الجبهة السياسية
واصلت الإدارة الأمريكية الحالية سباق الزمن في إذكاء نيران الحروب والأزمات، بدءاً من منطقتنا، وامتداداً نحو شرق آسيا ووسطها، وعملت على إقامة تحالف في مواجهة الصين يعتمد على اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، ولا زالت تواصل ضغوطها على الهند للذهاب بالاتجاه ذاته في إطار حربها التجارية على بكين. تتصدر روسيا في المقابل جهود إطفاء بؤر التوتر وعرقلة الإستراتيجية الأمريكية، وفي سياق جهودها تلك كوّنت روسيا «ترويكا أستانا» كنواة إقليمية لحل الأزمات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، وتبدو بكين من خلفها داعماً هادئاً يظهر دورها عند الضرورة في أهم المحافل الدولية.
كسر هيمنة الدولار
اللقاء الأخير بين الرئيسين الروسي والصيني، أسفر عن خطوة مهمة في تكامل العمل بين الحليفين، والمتمثلة بإعلان نيتهما دمج مشروعي «الحزام والطريق» مع «التحالف الاقتصادي الأوراسي» والذي يضم بدوره دول: روسيا وأرمينيا وبيلاروس وكازاخستان وقرغيزستان.
كذلك، تتمثّل إحدى أهمّ نتائج الزيارة في أنها تؤسس لإطلاق صندوق مشترك جديد مقيم باليوان بين موسكو وبكين. وهو ما كان أعلنه رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، كيريل ديمترييف، قبل وصول شي بينغ إلى موسكو بيومين، حيث قال: إن «صندوق الثروة السيادي الروسي يعتزم الإعلان عن صندوق مشترك جديد مقيم باليوان مع الصين هذا الأسبوع، سيقوم بالاستثمار في روسيا»، مضيفاً أن الإعلان الرسمي سيتم في منتدى بطرسبرغ. ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز الجهود الدولية الحثيثة لكسر هيمنة الدولار الأميركي، والتخلّي عنه لمصلحة عملات أُخرى، مثل: اليوان الصيني، واليورو.
روسيا تدعم «هواوي»
على هامش الزيارة، كان لافتاً توقيع شركة «هواوي» الصينية، التي تشدد الولايات المتحدة عليها الحصار، اتفاقية مع شركة «MTS» الروسية لتطوير وإطلاق شبكات الجيل الخامس من الإنترنت 5G في روسيا. وقد جرى توقيع الاتفاقية خلال حفل حضره الرئيسان وعدد من الشخصيات الروسية والصينية، عشية انطلاق فعاليات منتدى بطرسبورغ. وتحدثت وسائل إعلام روسية عن أن «الشركتين اتفقتا على تطوير وإطلاق الجيل الخامس من الإنترنت عبر شبكات MTS في روسيا ما بين عامي 2019 و2020، كما ستتعاون الشركتان في مجال التقنيات المتطورة، وتحديث شبكات LTE إلى مستوى 5G- ready، لتكون قادرة على نقل البيانات بسرعة أكبر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 917