السودان .. أمران أحلاهما مر
دخلت الأوضاع السودانية طوراً دقيقاً جديداً مطلعَ حزيران الحالي مع فض أجهزة الأمن والدعم السريع بالقوة وبشكلٍ كامل، اعتصام تحالف قوى التغيير والتحرير (المكوَّن من أربع قوى رئيسة: تجمع المهنيين السودانيين- الإجماع الوطني- نداء السودان- التجمع الاتحادي المعارض) أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم. الاعتصام المستمر منذ بداية نيسان الماضي للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين ودعم الجيش للشعب، نتجَ عنه عزلُ الجيشِ للرئيس السوداني عمر البشير في الحادي عشر من الشهر ذاته، وتشكيله المجلس العسكري الانتقالي يتولى خلاله إدارة الدولة في فترة انتقالية تستمر عامين، على أن تجرى انتخابات عامة بعد ذلك ووضع دستور دائم للبلاد.
الاحتجاجات الشعبية المنطلقة نهاية 2018 بسبب الأوضاع المعيشية المتردية، تصاعدت للمطالبة بتغييرات سياسية جدية. وتميزت بسلميتها طيلة الأشهر الماضية، حتى سقوط عددٍ من القتلى مع فض الاعتصام، تراوحت أعدادهم حسب تعدد المصادر بين الستين إلى مئة في يوم واحد! ما يفتح المجال لتوقع انفتاح المشهد السوداني على أخطر السيناريوهات في حال تشدد كل من الأطراف المتصارعة، وهو ما تسعى إليه القوى الدولية المتراجعة وأذرعها الإقليمية عبر خلق ثنائية وهمية جديدة في المنطقة وإدامة الاشتباك بينها، إضافةً إلى أن في سعيها إلى رفع درجة التوتر هذه، محاولةٌ لمنع التطور الطبيعي للحركة الشعبية، وإنتاج قياداتها وبرنامجها الوطني، بما يهيئ انتصارها الفعلي. إن استمرار التوتر وعدم الوصول لعملية التنفيذ عبر اتفاق يمكن أن يفتح الباب أمام خطر نشوء بؤرة صراع تهدد شمال شرق إفريقيا برمته، وهو ما يفسر التحرك السريع للاتحاد الإفريقي بالوساطة بين الطرفين.
على الصعيد الدولي، أحبطت الصين مشروع بيانٍ مقترح من قبل بريطانيا وألمانيا في مجلس الأمن الأسبوع الماضي، واصفةً إياه بعدم التوازن. فيما أعلنت الأمم المتحدة، أنها ستنقل بعض موظفيها في السودان إلى الخارج بسبب الأوضاع الحرجة. كما أعلنت روسيا تواصلَها مع جميع القوى الاجتماعية والسياسية، وتأييدها للحوار الوطني عبر وضع قرارات توافقية للفترة الانتقالية مع معارضة التدخل الأجنبي في النزاع السياسي الداخلي السوداني. في حين أعربت الخارجية الأمريكية عن إدانتها للأحداث الأخيرة، مع تأكيدها على ضرورة استئناف المفاوضات مع المعارضة لنقل السلطة. ودَعَتِ الجامعة العربية جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد مع استعدادها لتقديم العون، بينما قلقت الإمارات، ودعت السعودية إلى استئناف الحوار بين القوى المختلفة، فيما حل رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد يوم الجمعة في الخرطوم في محاولة للوساطة بين أطراف الأزمة، للدفع إلى إعادة فتح قنوات التفاوض، ودعم الحل السياسي السلمي.
إن المواقف الدولية المعلنة، أفضت إلى إدراك قوى الثورة المضادة تعذر حصولها على الغطاء الدولي المطلوب للالتفاف على مطالب الحركة الشعبية.
في حين أعلنت قوى الحرية والتغيير قبولها للوساطة الإثيوبية المشروط بالاعتراف بجريمة فض الاعتصام بالقوة وإطلاق سراح المعتقلين وإتاحة الحريات.. إلخ، وكانت أوقفت في وقت سابق كافة الاتصالات مع المجلس العسكري الانتقالي، داعيةً إلى العصيان المدني الشامل والمفتوح.
إن فهم الواقع الموضوعي بأبعاده السياسية الدولية والإقليمية والداخلية وأبعاده الاجتماعية لا يدخل في باب الحذلقة، وإنما يعتمد على مبدأ (الإمكانية والضرورة) الذي تحتاجه الحركة الشعبية في السودان اليوم، لتضمن استمرارها وتحقيق مطالبها في التغيير الجذري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 917