مسلسل أمريكي طويل
تستمر الحرب بين ترامب وإدارته مع وسائل الإعلام الأمريكية، الجارية منذ أن ترشح لمنصبه، لتصعد تارةً وتخبو أخرى بحسب الظرف الجاري وحجمه، لتظهر مؤخراً بشكل أكثر وضوحاً.
إن ترامب لا يعجب الكثيرين في الداخل الأمريكي، وهو بالتأكيد لا يعجب جميع من في الخارج، وأولهم من كانوا أصدقاء واشنطن طيلة العقود السابقة، ويحتمون بها ولأجلها، بسبب سياساته التي تعزل أمريكا وتقطع صلاتها بشكلها السابق مع حلفائها، نحو شكل آخر يُلقي بأزمات أمريكا على حلفائها، وذلك بالتوازي مع لجم واشنطن الجاري من قبل الدول الصاعدة، عن تصدير الحروب وبؤر التوتر التي تنفّس بها عن أزمتها على الصعيد الدولي.
ما هذا السؤال الغبي؟
مؤخراً، جرت جولة أخرى من المواجهة والاستفزاز المتبادل بين ترامب ووسائل الإعلام، فيما بدا أن ترامب تململ من هذه المسرحية وصعّد بها حين وصف مراسل «سي إن إن» بالوقاحة وعدم المهنية في أثناء مؤتمر صحفي له حول الانتخابات النصفية للكونغرس، تلاها منع للصحفي من دخول البيت الأبيض، وبعد يومين جرى أمر مماثل في مؤتمر صحافي آخر مع مراسلة للمحطة الإعلامية ذاتها حين تطرقت لموضوع التدخل الروسي المزعوم بالحملة الانتخابية في سياق استقالة وزير العدل «جيف سيشنز» وتعيين «ماثيو ويتاكر» المعروف بانتقاده للتحقيق بالتدخل الروسي، ليجيبها ترامب عن سؤالها حول نية ماثيو بإعاقة التحقيق بـ «ما هذا السؤال الغبي؟»
الضرورة أسبق
نُذكّر من جديد هنا حول جوهر السياسات الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، بين سبب ونتيجة، ومكان ترامب فيها، فالبعض ينطلق مقتنعاً بأن ترامب هو مُسبب السياسات الأمريكية وأزمتها اليوم، ويجعل منه شمّاعة يعلّق عليها كُل قذارة أمريكا، تلك القذارة التي تخرج على الملأ أكثر فأكثر مع مرور الوقت، ليُحاول قسمٌ من الإدارة الأمريكية في الداخل وشركاؤهم ممن هم في أعلى هرم الرأسمالية دولياً، أن يُلقوا بها عن أكتافهم كُلما ظهرت، إلّا أن الحقيقة بعكس ذلك، فمجمل هذه السياسات السابقة مع تعمّق الأزمة الرأسمالية والتغيير في الميزان الدولي جميعها هي من أنتجت بل وفرضت على واشنطن شكلاً سياسياً جديداً ومختلفاً، وما ترامب بإدارته ومشروعه سوى حاملٍ لها، فإن لم يكن هو، لأنتجت غيره وأصابه ما يصيب ترامب اليوم.
بدل ترامب هنالك عشرة
تعكس هذه الخلافات بين وسائل الإعلام الأمريكية وترامب، واقع الانقسام الأمريكي الجاري، بين تيار يسعى للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، في مقابل تيار الاستمرار بالنهج الأمريكي المعتاد حتى الرمق الأخير، ما يعكس الخلافات السياسية المرتبطة بتعارض المصالح الاقتصادية.
ورُغم جعجعة وسائل الإعلام ليلاً نهاراً في محاولة لقلب هذا الواقع، وتحريض الرأي العام وتقليبه، التي قد تنجح بخلع ترامب ومنعه من استمرار ولايته، أو الترشح على الأقل لولاية ثانية، فإن الواقع الأمريكي سوف يُصدّر غيره كما صدّر ترام