مؤتمر باليرمو: دفع دولي للحل الليبي
فيما يبدو أن الإجماع الدولي اليوم يتجه أكثر فأكثر نحو الدّفع بالحل السياسي للأزمات المتعددة، فإن ليبيا كما أفغانستان واليمن وغيرها، موضوعة على القائمة.
طالت الأزمة الليبية واستعصت منذ تدخل الناتو، ونشره للفوضى والانقسام، لكن دولاً أخرى تبدو جديّة في إيجاد حل حقيقي ونافع لليبيين، أبرزها روسيا، التي أصبح دخولها على خط حل أيةِ أزمة ضماناً لنجاح الحل وجديّته. عُقد مؤتمر باليرمو في إيطاليا حول ليبيا، بعد تنسيق إيطالي روسي تم خلال الفترة الماضية، استطاع دَفْع ملف التسوية السياسية قدماً.
مؤتمر وطني وانتخابات في 2019
عُقد المؤتمر يوم الاثنين 12 تشرين الثاني الجاري، واستمر ليومين، بمشاركة ممثلين عن روسيا والدول العربية ودول غربية بينها: فرنسا والولايات المتحدة، بحضور رئيس حكومة «الوفاق الوطني» فايز السراج، وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر، رغم أن الأخير نفى مشاركته في المؤتمر معرباً عن أن زيارته إلى إيطاليا جاءت لأغراض أخرى تتضمن عقد لقاءات مع رؤساء وقادة دول مشاركين في المؤتمر.
ورغم أن الكثير من التحليلات اعتبرت أن المؤتمر كشف عمق الانقسام بين الأطراف الليبية من جهة، وبين الدول المهتمة بالشأن الليبي أبرزها: فرنسا وإيطاليا من جهة أخرى، حول الاستحقاقات السياسية الانتخابية والدستورية القادمة، وهو ما أكده سياسيون ليبيون، لكنهم اعتبروا أن الدور الروسي اليوم سيكون له أثرٌ إيجابيٌ في التقليل من حدة الانقسام.
إلّا أن البيان الختامي عكس درجة عالية من التوافقات، على الحل، وعلى أهمية وحدة البلاد وسيادتها، وعلى اعتبار اتفاق «الصخيرات» المسار الوحيد للحل، مما يعني دعم العملية السياسية للتوافق على الخطوات الانتخابية والدستورية، بالإضافة إلى دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة، غسان سلامة، بعقد مؤتمر وطني في طرابلس مطلع عام 2019، يمهد لانتخابات في الربيع.
دور روسي وغياب أمريكي
رغم التوافقات التي تم الوصول إليها, فإن نجاح الحل يبقى مرهوناً بطبيعة الحال بالتطبيق العملي لما تم الاتفاق عليه، وهو ما يبدو أن فرص نجاحه أصبحت أعلى اليوم مع وجود توافقات وإجماع داخلي، يتزامن مع وجود راعٍ دولي حقيقي للحل.
إذ أعربت روسيا عن استعدادها لاستضافة مؤتمر يضم جميع الفرقاء الليبيين، كما أكد رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف، بأن العمل جارٍ على إيجاد منظومة سياسية في ليبيا لا بد للشعب الليبي أن يحددها، كذلك أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن موسكو تُولي اهتماماً خاصاً للأزمة في ليبيا، والجهود الدولية المبذولة لتسويتها بالتعاون مع الأمم المتحدة، وأن أهمية المؤتمر تكمن في جمعه عدداً من المسؤولين القياديين الذين يلعبون دوراً مهماً في الأحداث الليبية.
يمكن القول: إن أهمية مؤتمر باليرمو تكمن في نقطتين أساسيتين، أولاً: أنه استطاع ضمان موافقة جميع أطراف الأزمة الليبية على الحل، ووضع أطراً زمنية ومرجعية له، مما يعني دفعاً إضافياً باتجاه التسوية السياسية.
ثانياً: أنه أكد على دور روسي جدي في الدفع باتجاه الحل، مما يعني وجود راعٍ دولي له وزن مهم على الساحة الدولية، وعلى تراجع دور واشنطن على الساحة الدولية عموماً، وفي الشأن الليبي خصوصاً.
إن إنجاز الحل الليبي له أهمية خاصة في الوقت الحالي تكمن في سد الطريق أمام محاولة جعل البلاد بؤرة للتوتر والإرهاب، تُستخدم كأداةٍ في إحياء مشروع الفوضى الذي يتماوت في أجزاء أخرى من العالم.