«الشرق 2018»
مناورات الشرق 2018 العسكرية، أكبر مناورات في تاريخ روسيا الحديث، أجرتها روسيا مع الصين ومنغوليا في الفترة ما بين 11 إلى 15 أيلول الجاري، سبقها انعقاد «منتدى الشرق الاقتصادي» يومي 6 و7 أيلول الجاري، أيضاً بمشاركة الصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، في نفس المدينة، فلاديفوستوك الروسية.
للعنوان وللتزامن بين الحدثين دلالة، ففعاليات «الشرق 2018» تجري في أقصى شرق روسيا أي: في مدينة فلاديفوستوك، لكنها تكثّف فعلياً حال الشرق الأكبر هذا العام، وبشكل أدق بدايات القرن الحالي، القرن الحادي والعشرين، حيث الشرق يشع ويزداد قوة، والغرب يزداد أفولاً وتشرذماً. روسيا والصين تحديداً تشكلان الطليعة اليوم، والرافعة لجميع الدول المشرقية، التي هي دول أطراف في المنظومة الرأسمالية التي مركزها الغرب. فهل تشرق الشمس مجدداً من الشرق؟ وهل يعود إيقاع البشرية إلى تناغمه واضعاً حداً لهيمنة الغرب وتسلطه؟ نعم هذا ممكن! جميع الوقائع الجارية تقول بذلك.
اقتصادياً
إذا انطلقنا أولاً من المقولة، التي لا غبار عليها، والتي تقول: إن من يملك يحكم، وبالنظر إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي العالمي، نجد أنه في هذا القرن جرت تبدلات كبرى في ميزان القوى الاقتصادية العالمية، حيث ازدادت مساهمة دول «البريكس»، ممثلةً للشرق، من 18،6% من إجمالي الناتج العالمي وصولاً إلى 31،3% من الناتج عام 2016، للتجاوز مساهمة مجموعة «السبع الكبار»، ممثلةً للغرب، التي تراجع الحجم الاقتصادي لها من 43،6% من إجمالي الناتج العالمي عام 2000 وصولاً إلى 30،8 % عام 2016.
ناهيك عن المستوى غير المسبوق من الدعوات والخطوات الجديّة التي تم اتخاذها للحد من هيمنة الدولار، والتخلي عنه في المعاملات التجارية، حيث اتخذت كل من روسيا والصين وإيران والعراق وتركيا خطوات جدية في هذا السياق، ما يعني: حكماً توجيه ضربات قاضية للهيمنة الأمريكية.
أما «طريق الحرير الجديد» فلم يعد الحديث عنه مجرد وقوف على الأطلال، وتغنٍ بأمجاد الماضي، بل واقعاً وإجراءاتٍ ملموسةً وخطواتٍ عديدةً تم الانتهاء من إنجازها، للوصول إلى الهدف النهائي بربط إفريقيا بآسيا بأوروبا وتحقيق مشاريع تنموية.
عسكرياً
أما عسكرياً فقد عكست مناورات «الشرق 2018» بحد ذاتها وبضخامتها نوعاً وكماً من حيث عدد الأفراد والآليات، وبالشراكة الروسية الصينية تحديداً، قوة عسكرية مشرقية كبرى، وإشارة إلى أنّ تجمّع هذه القوات قادر على حل قضايا جيوساسية كبيرة، وأن روسيا والصين ستكونان قوة مشتركة في مواجهة أي تهديد. من جهة أخرى، إذا كان المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو أحد أعمدة الهيمنة الأمريكية، فإن الإعلان الروسي عن أسلحة نوعية حديثة ليس لها مثيل لدى الأمريكان، يعني كسر الهيمنة الأمريكية أيضاً في هذا المجال.
يتحول الشرق اليوم بعرابَيْهِ الصين وروسيا إلى عملاق اقتصادي وعسكري، وبالتالي سياسي، وهو عملاق من نوع آخر، يبدو أنه بصعوده يعلو معه مشروع اقتصادي وسياسي تنموي وسلمي، فالسياق التاريخي الذي أنتج يوماً ما عملاقاً غربياً قائماً بطبيعته على التوسع والنهب والحروب، هو مختلف تماماً اليوم.