ليلى خالد لقاسيون: العدو لا يأخذ في حساباته الشعوب لذلك حساباته خاطئة!
أجرت قاسيون حواراً مع ليلى خالد، عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وعضو المجلس الوطني، والتي أضحت رمزاً للمقاومة بعد خطفها هي ورفاقها طائرة للعدو عام 1969 بهدف إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين. الحوار جرى على هامش ندوة عقدتها «الجبهة الشعبية» في مقر جمعية «الصداقة الفلسطينية الإيرانية» عن أبعاد استهداف «الأونروا» يوم 13 أيلول 2018، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى توقيع اتفاقية «أوسلو» قبل 25 عام.
يجري الحديث مؤخراً عن الخطة الأمريكية المسماة «صفقة القرن»، لكنها لا تزال في إطار التسريبات والتكهنات، هل تعتقدين أنه هنالك خطة أمريكية فعلاً يجري العمل عليها؟ وهل واشنطن قادرة في ظل ما تعانيه من تراجع وعزلة في المحافل الدولية على رعاية تسوية فلسطينية مع الكيان الصهيوني؟
الكيان الصهيوني له الأولوية لدى الإدارات الأمريكية جميعها، كون دولتهم ساهمت في إنشائه، وبالتالي هي حريصة على مصلحته نتيجة للمصالح المشتركة، ولأننا نعيش في عالم قائم على المصالح وليس على المبادئ. لذلك عندما نتساءل من هم أعداؤنا نقول بالدرجة الأولى: الولايات المتحدة الأمريكية، ثم «إسرائيل» والحركة الصهيونية، ومن ثم الرجعيات العربية.
علينا أن ندرس التغيرات في العالم كوننا جزءاً منه، الآن جاء ترامب إلى السلطة، وهو برأيي يمثل العرق الأبيض الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن المجتمع الأمريكي هو مجتمع مستوطنين جاؤوا من إيرلندا وبريطانيا وغيرها، وارتكبوا المجازر بحق السكان الأصليين، وقد اعتقدوا أنهم عن طريق تأسيس ودعم الحركة الصهيونية باستطاعتهم أن يفعلوا الشيء ذاته في فلسطين. لكن تبين لهم أنهم غير قادرين على ذلك، رغم المجازر التي ارتكبوها من دير ياسين وغيرها ولحد الآن، لكن الشعب الفلسطيني موجود.
من جانب آخر، تاريخياً نجد أنه بعد كل حرب تجري تغيرات عالمية، مثل ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية بصعود الاتحاد السوفييتي كقوة عالمية، لذلك فإن الحروب التي تشن اليوم لابد أن يتبعها تغيير. يوجد تغيير في العالم اليوم، فالإدارة الأمريكية هي إدارة مكروهة، حتى أنها تتدخل في تحديد عواصم الدول. ولذلك فإن الدعم اللامحدود الذي تقدمه أمريكا للكيان الصهيوني بوجود اللوبي الصهيوني، يشكل عامل ضغط بهدف تحقيق مخططاتهم، لكن مشكلتهم أنهم لا يحسبون حساب الشعوب، وأنا أطمئنكم أن حساباتهم خاطئة، ولن نسمح لهم بتنفيذ مخططاتهم.
لقد أعلنوا القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وأقروا قانون القومية اليهودية الذي يلغي فكرة حل الدولتين لشعبين، الذي نحن ضده. وبالتالي ما يجري على الأرض اليوم هو «صفقة قرن»، ولكن وجود قوى معارضة اليوم مثل: روسيا، وصعود دول أخرى «البريكس» والصين والهند، هو مقدمة لتغير نظام القطب الواحد، نحو التعددية القطبية.
في ظل الضغوطات التي تحيط بالقضية الفلسطينية، ما هو الدور المطلوب اليوم من القوى السياسية الفلسطينية، وهل أصبح موضوع المصالحة أكثر ضرورةً؟
في النهاية يجب أن نسأل أنفسنا، ما هو المطلوب منا؟ المطلوب اليوم على المستوى الفلسطيني، هو: أن نتوحد، بمعنى أن ينتهي الانقسام، وتكون المصالحة قد حصلت، وبعد ذلك نذهب إلى ما اتفقنا عليه سابقاً في الحوارات الوطنية بما يصب في مصلحة الرسمة الاستراتيجية الجديدة والنضال الفلسطيني. لا يوجد شيء لنخسره إن ذهبنا بهذا الاتجاه في ظل وجود الاحتلال واستقراره على أرضنا وتنكيله بنا، ووجود السجون والمعتقلات، لكن من ليس لديه إرادة سياسية لا يمكنه القيام بذلك، وبالتالي يجب علينا جميعاً أن نتحمل المسؤولية التاريخية، بمعنى كيف ندافع عن أرضنا.
إذا تحدثنا عن الحراك الشعبي، رأينا مؤخراً كيف قدمت غزة أشكالاً إبداعية في النضال خلال فعاليات «مسيرة العودة»، لكن الضفة الغربية لم تشهد زخماً في الحراك كما المعتاد، ما السبب في رأيك؟
توجد أسباب عديدة لهذا الموضوع، لكن لا يعني ذلك أن الناس لم تتحرك وتشارك، لكن يمكن القول: أنه ليس بالمستوى المطلوب. أراضي الـ48 شهدت حراكاً أيضاً، في حيفا وعكا وأم الفحم وغيرها، وهو أمر مهم جداً بما يعنيه بأن الشعب الفلسطيني موحد، وليس مقسماً بالجغرافيا كما قسموه بالسياسة، كذلك فإن الاشتباكات وفعاليات مسيرة العودة لا تزال مستمرة في غزة. لذلك أنا أرى في الحراك الشعبي طوق النجاة، وبالتالي مطلوب منا جميعاً أن ننقذ الوضع بالشكل الذي يستجيب لهذه التحديات.
هنالك أصوات اليوم تتساءل عن جدوى المقاومة، وتقول: أن هذا الخيار لم يجلب لنا سوى الشهداء والمعتقلين والدمار، وباعتبار أنك رمز من رموز المقاومة ماذا تقولين في هذا الصدد، وخاصة لجيل الشباب؟
نحن لا نعمل بناءً على عواطفنا فقط، لكن عواطفنا اليوم هي نحو الجيل الجديد الذي سنسلمه الراية، هو يحمل المسؤولية اليوم، سوف نعطيه خبرتنا وتجربتنا، سنعطيه إياها من أجل أن يكمل الطريق لا من أجل أن يشكك في جدواها. نحن جيل النكبة لنا شرف التجربة، وحتى ننال هذا الشرف كان يجب أن ندفع الثمن. يجب أن نراجع أخطاءنا ونقف عندها، حتى لا يكررها الجيل الجديد، الذي ننظر له باعتزاز، والذي عليه أن يستمد روح المقاومة من تجربتنا كما فعلنا من تجربة الجيل الذي سبقنا وأضفنا عليها.
لا يمكن لشعب أن يتحرر وهو جالس خلف الكومبيوترات وعلى فيسبوك وتويتر، هذه وسائل إعلامية ووسائل تواصل اجتماعي فقط، لكن الوسيلة الأهم هي إيذاء العدو، عندما يطلق النار علينا يجب أن نطلق النار عليه. توجد عدة أساليب للمقاومة يحددها الزمن واللحظة السياسية، يعني: أنا تواجدت في زمن كان يجب فيه تعريف العالم على قضيتنا، لم يكن ثمة في وقتها صحيفة تتحدث عن القضية الفلسطينية، ولذلك لجأنا إلى خطف الطائرات لقرع الجرس وتعريف العالم بأننا نقاوم من أجل تحرير أرضنا والعودة إليها، ومن ثم بعد أربعين عاماً على النكبة وخلال الانتفاضة الأولى، رأينا أطفالاً يحملون الحجارة في وجه العدو، هذا كله تكامل، وبالتالي الأجيال تتواصل مع بعضها بطريقة النضال أيضاً، لكن الهدف النهائي للنضال يجب أن يكون تحرير فلسطين، وليس شيئاً آخر.
كيف ترين الحل للقضية الفلسطينية؟ هل أصبح حل الدولتين هو السقف؟ أم أنه لا زال من الممكن الحديث عن تحرير فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين؟
أولاً: الشعب الفلسطيني لا يجب أن يقبل الاعتراف بإسرائيل، رغم أن القيادة الفلسطينية الرسمية اعترفت بها، لكن هذا لا يعني اعتراف الشعب الفلسطيني ككل، وأنا أرفض الاعتراف بها. قد يقول البعض: أننا عدميون، هذا الكلام لا يخيفنا، يجب أن نراكم على الإنجاز الذي حققه الشعب الفلسطيني، لقد قمنا بثورة، وكان الكفاح المسلح هو الخط الرئيس فيها، كسبنا منها هويتنا، لم يعطنا إياها أحد بل كسبناها بالدم، ونحن من أنشأنا منظمة التحرير الفلسطينية كأداة تحرير ممثلة للشعب الفلسطيني. التغييرات التي حصلت فيما بعد هي إما إضافات للنضال الفلسطيني مثل: الانتفاضة ومسيرات العودة... إلخ، وإما هي سلبية بمعنى أنها انحرفت عن النضال الفلسطيني مثل: اتفاقية «أوسلو».
لذلك أنا متأكدة أنه بوجود هذا الجيل الذي دائماً ما أقول عنه: إنه جيل «نمرود»، وبوجود مجتمع متعلم وذكي، وطالما أن الشعب الفلسطيني في الشتات ازداد إصراراً بعد أن راهنوا على ذوبانه، سنبقى نقول: إننا نثق بشعبنا وبقدرتنا على مواجهة التحديات.