العراق وبقايا منظومة اللاحل
عليا نجم عليا نجم

العراق وبقايا منظومة اللاحل

على الرغم من التغيرات الجزئية التي طرأت على المشهد السياسي العراقي، مرافقةً عملية الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائجها، سواء من حيث التحالفات المتشكلة والكتل الفائزة، إلّا أن كل شيء لا يزال يدور في فلك «منظومة بريمر»، التي أسسها الاحتلال الأمريكي ورسخها في البلاد.

في انتظار ولادة الحل الجذري وتبلور حوامله، لا يزال العراق يتخبط في ظل نموذج «ديمقراطية» المحاصصة الطائفية والقومية، ليلقي بثقله على عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، وتعثرها مع وصول هذا النموذج إلى طريق مسدود، وعجزه عن تقديم حلول للقضايا السياسية والوطنية والاقتصادية الاجتماعية.
نِقمة التحالفات وتعثر الحكومة
تشهد الساحة السياسية العراقية اليوم حراكاً واسعاً بين القوى الفائزة بالانتخابات البرلمانية، لتشكيل الكتلة الأكبر تمهيداً لتكليفها بتشكيل الحكومة المقبلة، ووفقاً للنظام القائم في البلاد تحتاج الكتل الحائزة على النسب الأكبر من المقاعد إلى اللجوء للتحالفات بالضرورة، إذ لا تستطيع منفردة تشكيل الحكومة والتي تحتاج أكثر من 160 مقعداً.
وكانت الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار الماضي قد نتج عنها فوز كتلة «سائرون» وهو التحالف الذي يضم «التيار الصدري» و«الحزب الشيوعي» العراقي بحصوله على 54 مقعداً، فيما كان المركز الثاني من نصيب تحالف «الفتح» الذي حصل على 47 مقعداً، وليحتل المركز الثالث ائتلاف «النصر» بزعامة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بـ42 مقعداً، فيما جاء «ائتلاف دولة القانون» لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي في المرتبة الرابعة بـ25 مقعداً.
وحتى الآن يجري الحديث عن كتلتين أساسيتين يجري العمل عليهما لتكوين الكتلة الأكبر، الأولى: وهي التقارب الجاري بين تحالف «سائرون» وائتلاف «النصر» و«الحكمة» و«الوطنية». والثانية: هي التوافق الجاري بين تحالف «الفتح»، و«ائتلاف دولة القانون».
ومن المعروف أن قسماً كبيرا من تلك القوى والشخصيات المنضوية ضمنها قد صعدت إلى الساحة السياسية مع قدوم الاحتلال الأمريكي، وأن جزءاً منها لم يكن له موقف جذري من ذلك الاحتلال، لذلك فإن تغييراً حقيقياً يبدو بعيد المنال طالما أن النظام السياسي في البلاد والقائم على أسس طائفية يعيد إنتاج نفس الوجوه والبرامج.
وفي انتظار حسم مسألة الكتلة الأكبر، تظهر إلى السطح خلافات عدة بين القوى السياسية، مما يشي بأن مخاض ولادة الحكومة الجديدة سيكون عسيراً. فقد شدد مقتدى الصدر الذي يتزعم تكتل «سائرون» على ضرورة أن تكون الحكومة القادمة حكومة تكنوقراط ورفضه العودة إلى حكومة المحاصصة والهيئات الاقتصادية في العراق مضيفاً: «وإن عادوا فلن نشاركهم ولن نشركهم بل سنعارضهم عبر قبة مجلس النواب بل حكومة ذات قرار عراقي تخدم المواطن عبر وزارات تكنوقراط».
الحراك الشعبي والحل الجذري
في ظل هذا المشهد السياسي يمكن القول: إنه مع وجود بقايا النموذج الاقتصادي والسياسي الذي كرسه الاحتلال الأمريكي، من محاصصة سياسية طائفية وتبعية اقتصادية، يصبح الحل الحقيقي والجذري صعباً، بانتظار البرنامج البديل القادر على تغيير المنظومة ككل.
لكن وحده الحراك الشعبي من يشي بالنور في نهاية هذا النفق المظلم، إذ تستمر المظاهرات والاحتجاجات الشعبية المنددة بالفساد والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، ليضاف إليها المظاهرات التي خرجت في بغداد يوم الجمعة 31 آب الماضي، ضد التدخلات الأمريكية في العراق، رفع فيها المتظاهرون شعارات تصف سفارة واشنطن في العراق بـمصدر الإرهاب.
إذ أن استمرار الضغط الشعبي وتصاعده هو من سيفرض على القوى السياسية في البلاد الوصول إلى الحل الجذري، بتغيير بقايا «منظومة بريمر» التي تقيد البلاد بكل مفاصلها، وهو الحل الذي يمكن تحديد عناوينه الأساسية بما يلي: إعادة السيادة للعراقيين أنفسهم على الصعيد الاقتصادي والسياسي والوطني، من خلال القطع مع منظومة التحاصص الطائفي، والوقوف ضد جميع أشكال التدخل الخارجي، وبناء نموذج اقتصادي مستقل غير تابع، ودون ذلك فإن العراق سيستمر بالدوران في منظومة اللاحل.
وبغض النظر عما سيفضي إليه الحراك السياسي الجاري لتشكيل الحكومة، وعمّا سيكون شكلها، فإن مجريات العملية السياسية في العراق مهمة في سياق إثبات فشل نموذج المحاصصة الطائفية الذي جرى العمل على تعميمه، وهي في نفس الوقت تشير إلى أن الوضع في العراق جارٍ العمل على تغييره، حيث حملت الانتخابات البرلمانية الأخيرة خطوة إلى الأمام في شكل التحالفات، وعكست المظاهرات الشعبية مزاج العراقيين بالتغيير الجذري الاقتصادي الوطني، لذلك لابد ستحمل الجولات القادمة خطوات جدية نحو التغيير المطلوب.