الولايات المتحدة... وانهيار «الأحلاف المقدسة»
صرحت السفارة الكندية في المملكة السعودية في صفحتها الرسمية على موقع تويتر بما فحواه تنديداً باعتقال ناشطين سعوديين معارضين في السعودية إثر أحد التحركات الاحتجاجية.
رغم أن كندا كانت قد نددت سابقاً بحوادث مشابهة في السعودية، ولكن في هذه المرة كانت التغريدة باللغة العربية خلافاً للمرات السابقة التي كانت تصرح باللغة الإنكليزية، الأمر الذي يوحي بأن التصريح موجه للشعب السعودي وليس للبنية الحاكمة.
هذا الفعل قُوبل باستنكار سعودي صيغ بكلمات حادة ضد التدخلات في الشؤون الداخلية للمملكة، بالإضافة إلى بعض الإجراءات الاقتصادية- أشبه بالعقوبات الأمريكية- ضد كندا، والتي كانت بعيدة عن قطاعي النفط والغاز السعوديين، الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بأن المشكلة الكامنة بين الجانبين، ورد الفعل السعودي غير المسبوق تجاه حلفائها، يحمل دلالات عدة ضمن المشهد الدولي المتغير.
نوعية الخلاف
إن الخلاف الكندي السعودي، وإن لم يصل إلى تلك الدرجات العالية من الاختلاف والتصعيد بعد، إلّا أنّ فيه من السمات والمزايا ما يجعله نوعياً ومهماً، بصرف النظر عن الجوانب الاقتصادية والمالية المباشرة، حيث إنّه:
أولاً: لم يكن غريباً أن تحدث خلافات بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها عادةً ما كانت تأتي في سياق استفزاز حليف ما إقليمي وازن لدفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات للولايات المتحدة، في حين إن هذا الخلاف حدث بين جهتين لهما صلات استراتيجية مع الولايات المتحدة وتعتبر كل منهما مفتاحيتين في منطقتها.
ثانياً: إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها توجيه انتقادات للبنية الحاكمة في السعودية فيما يخص مسائل الديمقراطيات والحقوق، ولكنها المرة الأولى التي ترد فيها السعودية على الأمر، معتبرة الأمر مسألة سيادية غير قابلة للمساس، بالإضافة إلى اعتبار السفير الكندي شخصاً غير مرغوب به في المملكة مع سلسلة من الإجراءات الاقتصادية أشبه بالعقوبات الأمريكية تجنبت مجالي النفط والغاز.
ثالثاً: الحذر الأوروبي والأمريكي الجدي فيما يخص توجيه انتقادات جدية للسعودية ضمن إطار الأزمة المذكورة، حيث اكتفت بإدلاء بعض العبارات الدبلوماسية التي يمكن أن تقال في سياق أية أزمة بين بلدين حليفين، الأمر الذي يدفعنا إلى الاعتقاد ولو جزئياً بجدوى الموقف السعودي في عدم قبوله تدخلات حلفائه في شؤونه الداخلية.
في عمق المسألة
إن الأزمة بين الجانبين ما زالت حديثة العهد كما إنه من المبكر التنبؤ بمنحاها والاستفاضة في نتائجها ولا سيما في فترة تراجع الحلف الدولي المشترك، ولكن يمكن تحديد بعض ما يمكن اعتباره مؤشرات تلمح لبعض المسائل الجديدة وتأكيد أخرى قديمة.
إن انتقاد بعض الجوانب الديمقراطية في الداخل السعودي ليس بالجديد سعودياً، ولكن الجديد في الموضوع هو رد الفعل السعودي الذي أقل ما يقال عنه أنه جدي، إذ أن السعودية لم تقم بأي يوم من الأيام بطلب رحيل سفراء الدول الناقدة، أو فرض إجراءات ذات طابع اقتصادي مالي ضد أية دولة، مما يعطينا الحق في الاعتقاد بارتفاع مستوى الاستقلال السياسي النسبي للمملكة ولو جزئياً عن المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، والتي كانت لفترة طويلة محج الأسرة الحاكمة في السعودية، الأمر الذي يعكس بدوره انخفاض درجة تحكم الولايات المتحدة بحلفائها الإقليميين.
يمكن اعتبار التصرف السعودي أشبه بالتمرد على الولايات المتحدة بما تمثله كمركز للقوى الرأسمالية الغربية في العالم، الأمر الذي ينم على أن السعودية بدأت تشعر بالاختناق تحت الغطاء الدولي الأمريكي حيث تمتد المشكلة في جذرها إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على ضبطها للأزمات الدولية كنتيجة لانخفاض وزنها العام، فاليمن والأزمة مع قطر والتورط في سورية والهزيمة في العراق كلها دلالات تراجع أمريكي جدي يدفع بالسعودية إلى الشعور بالاختناق، بالتالي البحث عن خيارات أخرى.
إن معضلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن اعتبارها مشكلة في نفس السياق على الأقل من حيث النتائج في كلتا المشكلتين تخسر الولايات المتحدة العلاقات الوطيدة بين حلفائها السعوديين، والكنديين، الأوروبيين، والبريطانيين. بعبارة أخرى انهيار تلك البنى التي وطدتها الولايات المتحدة في فترة التراجع السوفييتي وبعيد انهياره.