إيطاليا... والمصير الأوروبي
جواد محمد جواد محمد

إيطاليا... والمصير الأوروبي

جرى في الأيام القليلة الماضية تشكيل الحكومة الإيطالية الجديدة برئاسة، جيوزيبي كونتي، المقرب من حركة «خمس نجوم» اليمينية، وذلك بعد مخاض دام ثلاثة أشهر لتشكيل تحالف برلماني يضمن الثقة للحكومة المقترحة بعد موافقة الرئيس.

الجديد في الحكومة الحالية أنها وليدة برلمان تقوده أحزاب وحركات سياسية حديثة العهد، وذات توجهات يمينية قومية. إذ تتألف الكتلة الحاكمة الحالية من حزب «خمس نجوم»، وحركة «رابطة الشمال»، وهي أحزاب توصف بأنها «شعبوية» ومناهضة للمؤسسات، الأمر الذي يدفعنا إلى ربط الحالة الإيطالية بالوضع الأوروبي عموماً، حيث تكرر صعود مثل هذه القوى في دول أوروبية أخرى.
البرلمان الإيطالي
يتكون البرلمان الإيطالي من مجلسي النواب والشيوخ وبمجموع يتجاوز الـ900 عضو في كلا المجلسين معاً، وهو حالياً، ونتيجة للانتخابات التي جرت في الخامس من آذار الماضي، يتألف بالمحصلة من حزب «خمسة نجوم» والحاصل على 33% من الأصوات مما جعله الحزب الأول في البلاد، وحزب «رابطة الشمال» الحاصل على 18%، فيما حصل تحالف برلسكوني الكلاسيكي على 20%، والحزب «الديمقراطي» مع تحالف «اليسار» على ما مجموعه 22%، بالإضافة إلى شخصيات دائمة العضوية.
ورغم تقدم تحالف اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلّا أن الأحزاب المكونة لهذه التحالفات لم تستطع الحصول على الأغلبية المطلقة اللازمة لتشكيل الحكومة، مما يمهد لنشوء الخلافات اللاحقة.
الخلاف حول ماذا؟
الخلافات حول تشكيل الحكومة، والتي تسببت بالمأزق السياسي، كانت تدور بشكل أساسي حول شخصية باولو سافونا، الذي تم ترشيحه من قبل الحزبين الحاكمين لتولي حقيبة الاقتصاد، الأمر الذي واجه رفضاً قاطعاً من قبل الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، حيث إن سافونا معروف بمعارضته للاتحاد الأوروبي والعملة الأوروبية الموحدة وسياسة التقشف، ويرى فيها خطراً على الاقتصاد الوطني.
وهو الأمر الذي لا تخفيه قوى الائتلاف الحاكم الجديد، التي تناهض السياسات الأوروبية، والعملة الموحدة. وفي العقد الذي صاغته كل من حركة «خمس نجوم»، و«رابطة الشمال»، والذي يتضمن نقاط برنامج تلتزم بتنفيذه حكومة الائتلاف المرتقبة بين الجانبين، كان من ضمنها مسألة رفع العقوبات الأوروبية عن روسيا كأولوية في المرحلة المقبلة، حيث اعتبر الحزبان أن إيطاليا كانت من أكثر المتضررين من تلك العقوبات.
حالة أوروبية
يُلاحظ، أن تركيبة البرلمان التي تنتج الحكومة في عموم الدول الأوروبية تخضع لتغيرات جديّة، وبغض النظر عن منحى تلك التغيرات إلا أنها على ما يبدو حالة عامة في أوروبا يمكن تلخيص سماتها في عدة بنود:
أولاً: تكرر حالة عدم وجود أغلبية برلمانية لحزب أو تكتل واحد يسمح بشكيل حكومة منفردة، الأمر الذي حدث في دول، مثل: ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، والتي تعتبر مراكز على الصعيد الأوروبي.
ثانياً: وصول أحزاب جديدة لم تكن موجودة في الحياة السياسية السابقة، بغض النظر عن كونها شعبوية أو يمينية أو خلبية، وتراجع الأحزاب التقليدية التي حكمت أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية كالأحزاب «الديمقراطية الاشتراكية» على سبيل المثال.
ثالثاً: قد لا تعبّر هذه القوى الجديدة عن مصالح الشعوب الأوروبية العميقة إلّا أنها تشكل انعكاساً لمزاج هذه الشعوب الرافضة للأحزاب الكلاسيكية، والتي ضاقت ذرعاً بسياساتها.
إيطاليا الجديدة والاتحاد الأوروبي
لا يمكن تقييم مآل الحالة الأوروبية ونتائجها ومخرجاتها وانعكاساتها الدولية بدقة، لكن وبناءً على الحقائق والوقائع المتلاحقة يمكن التنبؤ بأن الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي واقتصادي بشكله الحالي أصبح مرشّحاً للانهيار، ويبدو أن الحكومة الإيطالية الجديدة ستدقّ مسماراً جديداً في نعش الاتحاد الأوروبي.
ولهذا أسبابه الموضوعية، فالاتحاد الأوروبي لا يوفر ظروفاً اقتصاديةً متساويةً لجميع أعضائه، فبينما تستمر الدول المتقدمة في دول غرب ووسط أوروبا بالدفاع عن الاتحاد كونه يخدم مصالحها، تجد دول شرق وجنوب أوروبا نفسها غير مضطرة للقيام بذلك كونها تخسر وتزداد فقراً.
في إيطاليا تحديداً كانت حزمة المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي لإيطاليا مرتبطة ببعض الإجراءات الخاصة بخفض النفقات، وهو ما أدى اليوم، حسب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف إلى فوز حزبي «خمس نجوم» و«الرابطة» وهي قوى تجمع ما بين «التشكك الأوروبي» و«الشعبوية»، وينص اتفاق التحالف بين الحزبين الذي سيشكلان الحكومة على خفض الضرائب، وزيادة النفقات الاجتماعية لمحدودي الدخل، وإلغاء إصلاح نظام المعاشات، لكن الأهم، هو: نية هذه الأحزاب بخفض النفقات الحكومية في الموازنة من خلال إلغاء ديون إيطاليا للاتحاد الأوروبي والبالغة 250 مليار يورو.
في النهاية، يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاتحاد الأوروبي تدفع باتجاه إضعافه وتفكيكه، فدول غنية، مثل: بريطانيا آثرت الانسحاب، ودول أخرى، مثل: إيطاليا واليونان ستشكل ضغطاً إضافياً قد لا يستطيع الاتحاد الأوروبي تجاوزه.

آخر تعديل على الإثنين, 04 حزيران/يونيو 2018 19:14