طائرات ورقية تُرعب طائرات حربية
يحيي الفلسطينيون في السابع عشر من نيسان كل عام يوم الأسير الفلسطيني، لتسليط الضوء على مأساة آلاف الأسرى الذين يقبعون في المعتقلات الإسرائيلية، وتتزامن ذكرى هذا العام مع استمرار فعاليات «مسيرة العودة الكبرى» التي انطلقت في يوم الأرض.
أشار «نادي الأسير الفلسطيني»، في بيان له يوم الثلاثاء 17 نيسان الجاري، إلى أن نحو مليون حالة اعتقال وُثقت منذ بداية الاحتلال عام 1948، وأكد أن أكثر من 6500 أسير فلسطيني يقبعون اليوم في سجون الكيان الصهيوني، بينهم 350 طفلاً و62 امرأة. في حين تشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من 300 أسير ممن يمضون حكماً بالسجن المؤبد، وإلى وجود نحو ثمانية وأربعين أسيراً قد مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة في سجون العدو.
يعيش هؤلاء المعتقلون في ظل ظروف مأساوية بالغة السوء، فقد ازدادت ممارسات العدو الصهيوني حدةً وتنكيلاً بعد اتفاقيات السلام التي عقدت في أوسلو، في انتهاك واضحٍ وصريحٍ من قبل العدو لأحكام القانون الدولي.
فقد مُنعت زيارات الأهالي، وتدهورت الأوضاع الصحية للأسرى نتيجة نقص حاد في الكوادر الطبية لاسيما الأطباء المختصون، كما حُرم الأسرى من حق تلقي المساعدة القانونية نتيجة منع زيارات المحامين. كذلك عاودت سلطات الاحتلال لممارسة أشنع عمليات التنكيل والتعذيب والعزل القسري. إضافة إلى اعتقال عما يزيد عن 200 أسير ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة.
يوم الأسير هذا العام
تصادفت الذكرى 44 ليوم الأسير مع استمرار فعاليات مسيرة العودة، فمن شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة وبمزيد من التحدي، يستمر الحراك الشعبي في فلسطين ويزداد غضباً وحدة، إذ يثبت الفلسطينيون في الأسبوع الرابع على التوالي ضمن فعاليات «مسيرة العودة الكبرى» إصرارهم على خيار المقاومة الشعبية وقدرتهم على ابتكار أساليب جديدة في مواجهة الكيان الصهيوني، لتحمل الجمعة الرابعة اسم «جمعة الشهداء والأسرى»، وذلك كوسيلة لإظهار الاهتمام بهذه الشريحة وإعطائها حقها، نظراً إلى تاريخها النضالي في خدمة القضية، وسط دعوات شعبية للمشاركة في مسيرات جماهيرية تنطلق باتجاه الحواجز العسكرية، ونقاط التماس مع جيش العدو للاشتباك معه، تعبيراً عن استمرار حالة الرفض الفلسطيني للاحتلال، واحتجاجاً على الواقع المفجع الذي يعيشه الأسرى.
حراكٌ مستمر
وصل المتظاهرون في هذه الجمعة إلى الحدود مع القطاع، وحاولت قوات الاحتلال تفريقهم، وأفادت المصادر باستشهاد 4 من الفلسطينيين من بينهم الطفل محمد إبراهيم أيوب 15 عاماً من جباليا، كما أصيب نحو 500 آخرين بجروح وحالات اختناق، بينهم 45 أصيبوا بالرصاص الحي من قبل قوات الاحتلال. هذا وقد أشارت مصادر عدة، إلى أن عدد شهداء مسيرة العودة قد وصل إلى 39 شهيداً، فيما وصل عدد المصابين إلى الآلاف.
إلّا أن هذا الكم من الدم والألم لم يردع الفلسطينيين العزّل عن مواصلة حراكهم، كما لم تردعهم تحذيرات جيش الكيان الصهيوني الذي رمى صباح يوم الجمعة منشورات تدعو الفلسطينيين في غزة إلى عدم المشاركة في التظاهرات. فقد دعا بيان «الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة» إلى أن تكون تظاهرة هذه الجمعة رسالة قوية إلى الاحتلال، الذي يراهن على تراجع التحركات. كما وأعلنت الهيئة الوطنية في وقت سابق عن تقديم أماكن مخيمات العودة، والتي أقيمت بالقرب من الخط العازل الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المحتلة عام 48، مسافة 50 متراً إلى الأمام كخطوة أولى. وأكدت أن هذه الخطوة الأولى، تعد «تعبيراً عن التقدم المنظم الذي يأتي تأكيداً على الحق في العودة، والتصدي لصفقة القرن، ومؤامرة الوطن البديل».
أساليب إبداعية
في مقابل الرصاص الحيّ الذي ينهمر على جموع المتظاهرين، حاول الفلسطينيون ابتكار طرائق جديدة في التصدي لقوات الاحتلال، فبعد الـ«كوشوك» قامت مجموعة من الشبان في غزة بإعداد طائرات ورقية من أعلام فلسطين تحمل أسماء قراهم المهجّرة منذ نكبة 48 وإطلاقها في السماء، ومنها ما حمل زجاجات حارقة حيث سقطت في الجانب «الإسرائيلي»، وأدت إلى إحراق عشرات الدونمات الزراعية المحيطة بقطاع غزة. الجدير بالذكر، هو ما استطاعت فعله طائرات من الورق، فقد شكلت هذه الطائرات هاجساً أرّق الاحتلال وسكان البلدات «الإسرائيلية» المقامة حول قطاع غزة، حيث أتم جيش الكيان الصهيوني استعداده لإسقاط هذه الطائرات، ونشر العديد من القناصين على حدود القطاع.
المقاومة الشعبية ورعب الكيان
بات هلع الكيان الصهيوني من استمرار الحرك الشعبي بعد يوم الأرض واضحاً وجلياً، فقد نشر الصحفي «الإسرائيلي»، بن درور يميني، عموداً في صحيفة «يديعوت أحرونوت» باللغتين العبريّة والعربية رسالة موجهة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة: «نحن نمدّ يد السلام. الرجاء اقبلوا بها. بدلاً من وهم آخر ومسيرة عودة أخرى، التي هي استفزاز وعنف، دعونا نبدأ مسيرة مشتركة للسلام، للمصالحة والاعتراف المتبادل...»، وأكدت وسائل إعلام صهيونية أن قادة الاحتلال أعطوا تعليمات للجيش والقناصة المتمركزين على الخط الفاصل، بإطلاق النار تجاه كل من يحاول اجتياز الحدود، وطلب من أهالي قطاع غزة قضاء عطلة العيد بشكل اعتيادي.
هلعُ كيان الاحتلال ليس مستغرباً كثيراً، لا بل هو رعبٌ مشروع في هذا العالم الجديد الذي تتراجع فيه قوى الحرب الأصيلة يوماً بعد يوم، فمن البدهيات أنّ تراجع قوة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية في المستويات كافة، سيتبعه تراجع لجميع أذيالها في المنطقة من بينها، ولعلّ أهمها: كيان الاحتلال الصهيوني. لتأتي «مسيرة العودة الكبرى» وتشكّلَ عامل ضغط إضافي على كيان العدوّ، ولتثبت الحقيقة القائلة، بأن إرادة الشعوب في ظل عالم يغلي بالحراكات والمظاهرات في شتى أصقاع الأرض، وفي ظل ميزان دولي جديد، قادرة على إسقاط وهم العدو الذي لا يقهر، والتسليم بحقيقة أنّ الشعوب هي التي لا تقهر.