تكامل إفريقي في مواجهة احتمال الفوضى

بينما ترتد الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحرب التجارية والحمائية فإن ردة فعل معاكسة تظهر من مكان غير متوقع... من إفريقيا، حيث ترافق الإعلان عن التعرفات الجمركية الأمريكية مع الإعلان عن عقد مؤتمر سمي مؤتمر الوحدة الأفريقية يهدف إلى تشكيل منطقة تجارة حرة واسعة في القارة...

اجتمع في رواندا الشهر الماضي قادة 44 دولة إفريقية، من أصل 55 دول في الاتحاد الإفريقي. وتم التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة في القارة الأفريقية (CFTA) وهي اتفاقية التجارة الحرة الأكبر، منذ تشكيل منظومة التجارة العالمية.
من المتوقع أن يبدأ العمل بحرية حركة نقل البضائع والخدمات، وتقليص التعرفات الجمركية، وحرية حركة رؤوس الأموال بين الدول المشتركة خلال ستة أشهر من توقيع الاتفاق، لتؤثر على أكثر من 1.2 مليار افريقي. كما يدور الحديث حول السير نحو عملة إفريقية مشتركة، وفق ما اقترح الرئيس الجديد لجنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، والذي قال:
(لقد حانت الساعة واليوم واللحظة التي نصل بها إلى عملتنا الخاصة، ونتخلص من العقلية الكولونيالية بالاعتماد على عملات الآخرين. نستطيع أن نصل إلى هذه العملة).حيث يوجد حالياً أكثر من 40 عملة في القارة الإفريقية، تصارع العديد منها للحفاظ على قيمتها.
الصين في إفريقيا
تتضارب تقديرات حجم الاستثمار الصيني في إفريقيا، ولكن الأمر المؤكد بأن الصين توسع من استثماراتها في إفريقيا بشكل كبير، مقابل تراجع للولايات المتحدة. وقد أشارت مراكز الأبحاث الأمريكية (جون هوبكنس للدراسات الدولية المتقدمة) إلى أن الأصول الاستثمارية الصينية في أفريقيا تقارب 40 مليار دولار، بينما الولايات المتحدة تقارب 58 مليار دولار. وأشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن استثمارات الصين في أفريقيا للبنى التحتية المختصة بقطاع الطاقة فقط بلغت قرابة 34 مليار دولار. وكان الرئيس الصيني قد أكد في عام 2015 بأن حزمة استثمارات إضافية تقارب 60 مليار دولار، ستكون من نصيب إفريقيا.
وقبل الاستثمارات هناك مؤشر التجارة حيث أن حجم التجارة السنوية بين الصين وإفريقيا هو قرابة 400 مليار دولار، وهو ما يشكل أربع أضعاف التجارة بين إفريقيا والولايات المتحدة التي تصل إلى 100 مليار دولار. ويُدعّم الوجود الصيني بإفريقيا، بمنظومة المساعدات الصينية الدولية، حيث تحتل القارة الإفريقية أكثر من 46% من المساعدات الصينية التي تجاوزت المساعدات الأمريكية منذ عام 2011، وهذه المساعدات تذهب النسبة العظمى 90% منها إلى القطاعات الإنتاجية، و10% فقط إلى المرافق العامة والخدمات. على العكس من نمط المساعدات الغربية التي تركز على قطاعات الخدمات، والتمويل الحكومي. (قاسيون 841)
قاعدة في جيبوتي
وإن كانت الاستثمارات والتواجد الاقتصادي الصيني في القارة يتحدى الوجود الغربي، والمؤسسات الدولية فيها، فإن مؤشرات التواجد العسكري لا تقل شاناً عن المؤشرات الاقتصادية، حيث قام الصينيون في آب 2017 بافتتاح أوّل قاعدة عسكرية ما وراء البحار لهم في جمهورية جيبوتي في القرن الإفريقي، بالقرب معسكر ليمونيير: أكبر قاعدة أمريكية في إفريقيا (والتي تحوي حوالي 4000 جندي)، حيث تدفع واشنطن 63 مليون دولار سنوياً للإبقاء على معسكر ليمونيير، بينما تدفع الصين عن كلّ منشآة عسكرية لها في جيبوتي 100 مليون دولار سنوياً. فليس من عجب بعد ذلك أنّ سلطات جيبوتي تجاهلت المساعي الدبلوماسية الأمريكية التي طلبت منهم عدم السماح للصين بافتتاح قاعدتهم.
تغيرات التواجد الاستثماري في إفريقيا، تجري تغيرات سياسية هامة في القارة، ولكنها تفتح أيضاً احتمالات توسيع الصراع العسكري فيها، وتحديداً عبر الفوضى والإرهاب. فعدا عن الشمال الإفريقي وليبيا تحديداً، فإن نيجيريا الدولة الإفريقية الأهم، والمنتج الأول للنفط في القارة مثقلة بالفوضى والمنظمات الإرهابية، وهي مشروع للنشاط العسكري الغربي الذي (يتحرك لمحاربة الإرهاب).
ولكن بالمقابل لا تنفصل مسألة عقد مؤتمر للتجارة الحرة في إفريقية، عن الرد على السياسات الحمائية الامريكية، الموجهة ضد الصين تحديداً. وعدا عن التوجه نحو التكامل القاري، فإن المؤشرات تأتي من بعض الدول مثل أنغولا على سبيل المثال، وهي المنتج الثاني للنفط في إفريقيا.. والتي أبدت استعدادها لبيع نفطها مقابل الذهب، وهي التي تصدر قرابة 974 ألف برميل يومياً من إنتاجها للصين، من أصل 1.67 مليون برميل يومياً.
إفريقيا ساحة صراع
تتحول إفريقيا إلى واحدة من ساحات التنافس العالمي، حيث أن التوسع الاستثماري الصيني الكبير في إفريقيا وتحسن العلاقات الإفريقية الروسية، يلاقي بطبيعة الحال معارضة أمريكية... تجلت في حديث وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بتاريخ 7 آذار في العاصمة الإثيوبية عندما حذر الدول الإفريقية من (توسع الاستثمار الصيني)، وتتجلى أيضاً بتصاعد الحديث العسكري الأمريكي عن الخطر الإرهابي في إفريقيا، ما يفتح احتمالات أن تكون إفريقيا هدف لتسعير الفوضى الأمريكية... الأمر الذي يبدو أن الصين ودول أخرى تسعى لمواجهته بتوسيع التكامل الإفريقي وفتح أفق التنمية والتعاون ضمنها. لان تسعير المعركة يحتاج إلى الفوضى، وإخمادها يحتاج إلى حوافز للاستقرار.

آخر تعديل على الأحد, 01 نيسان/أبريل 2018 23:05