المجمع الصناعي العسكري والتوازنات الجديدة؟
عليا نجم عليا نجم

المجمع الصناعي العسكري والتوازنات الجديدة؟

نشر معهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» تقريراً في 12 آذار الجاري، حول حجم التحويلات الدولية للأسلحة الرئيسة، وفقاً لبيانات جديدة عن عمليات نقل الأسلحة عالمياً في السنوات الخمسة الأخيرة.

 

خلصت الدراسة إلى أنه، واستمراراً للاتجاه التصاعدي الذي بدأ في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، كان حجم التحويلات الدولية للأسلحة الرئيسة في الفترة 2013-2017 أعلى بنسبة 10% عما كان عليه في الفترة 2008-2012، والسبب الأول في ذلك يعود لواشنطن!
النسبة الأكبر من تزايد تدفق الأسلحة، كانت من نصيب آسيا ومناطق شرق المتوسط وأوقيانوسيا، بينما انخفض التدفق إلى إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، وحسب التقرير فإن أكبر خمسة دول مصدرة للأسلحة في الفترة بين 2013 و2017 كانت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين، حيث تشكل مجتمعة ما نسبته 74% من جميع صادرات الأسلحة خلال تلك الفترة.
واشنطن أكبر مصدري الأسلحة
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر قائمة أكبر مصدري الأسلحة حول العالم، حيث تشكل منفردة ما نسبته 34% من مجمل صادرات الأسلحة خلال الفترة 2013-2017، بزيادة تصل إلى 25% عن الفترة 2008-2012، وتزيد صادرات الأسلحة الأمريكية عن مثيلتها الروسية -ثاني أكبر مصدري الأسلحة_ بنسبة 58% خلال الفترة 2013-2017، وحصلت دول منطقتنا على ما نسبته 49% من مجمل صادرات الأسلحة الأمريكية خلال تلك الفترة.
يشير التقرير، أنه وبناءً على الصفقات التي تم توقيعها خلال إدارة أوباما، فإن شحنات الأسلحة الأمريكية خلال الفترة 2013-2017، وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ نهاية التسعينات، وأن الصفقات والعقود الموقّعة خلال عام 2017، ستضمن بقاء واشنطن كأكبر مصدر للأسلحة خلال السنوات القادمة.
من جهة أخرى، فإن روسيا وعلى الرغم من التطور المستمر في مجمعها الصناعي العسكري، فإن صادراتها من الأسلحة انخفضت بنسبة 7,1% بين الفترة 2008-2012 و2013-2017.
في المقابل فإن فرنسا التي تعتبر ثالث أكبر مصدر للأسلحة ازدادت صادراتها بنسبة 27% خلال الفترة المدروسة، بينما ألمانيا التي تحتل المركز الرابع تراجعت صادراتها بنسبة 14% خلال الفترة ذاتها.
آسيا أكبر متلقي الأسلحة
يولي التقرير أهمية خاصة لدول المنطقة وآسيا عموماً، باعتبار أن الجزء الأكبر من شحنات الأسلحة المصدّرة خلال الخمس سنوات الأخيرة قد انصبت فيها، حيث ارتفعت مستوردات الأسلحة لهذه الدول بنسبة 103% بين 2013-2018 و 2008-2012، لتشكل ما نسبته 32% من مجمل واردات الأسلحة العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية هي الدول الرئيسة المصدرة للأسلحة إلى المنطقة، وتوفر أكثر من 98% من الأسلحة التي تستوردها المملكة العربية السعودية.
في الفترة ما بين 2013 و2017، كانت المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث زادت وارداتها بنسبة 225% بالفترة 2008-2012، تليها مصر كثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، بارتفاع في وارداتها بنسبة 215%، ومن ثم الإمارات رابع أكبر مستورد للأسلحة.
أما أكبر دولة مستوردة للأسلحة في العالم خلال الفترة 2013-2017 فهي الهند، مشكلة ما نسبته 12% من الإجمالي العالمي. بزيادة تبلغ 24% عن الفترة 2008-2012. نسبة 62% من أسلحتها تأتي من روسيا، ومع ذلك فإن واردات الأسلحة الأمريكية للهند تضاعفت بنسبة 557% مقارنة بالفترة 2008-2012.
الملفت، أن واردات باكستان من الأسلحة انخفضت بنسبة 36% خلال الفترة المدروسة، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 76%، مما يفسر جزئياً غضب واشنطن على باكستان خلال الفترة الأخيرة.
ويشير التقرير، إلى أن التوترات الحاصلة في جنوب وشرق آسيا تدفع دولاً مثل: الهند إلى استيراد المزيد من الأسلحة، بسبب عدم قدرتها على إنتاجها ذاتياً، بينما الصين التي أصبحت بشكل متزايد قادرة على إنتاج أسلحتها فقد انخفضت وارداتها بنسبة 19%، بالتزامن مع اتجاه الصين إلى تعزيز علاقاتها مع دول الجوار.
استنتاجات
بناءً على ما سبق، من حقائق وأرقام وردت في الدراسة المذكورة أعلاه، يمكن استخلاص ما يلي:
لا يزال المجمع الصناعي العسكري الأمريكي منذ أن حذر منه آيزنهاور في خطبة الوداع التي ألقاها عام 1961 وحتى اليوم، يشكل تهديداً عالمياً. فهذا المجمع الذي يتضمن أكثر من 240 ألف مؤسسة داخل وخارج الولايات المتحدة، ويشكل الحصة الأكبر من ناتجها الإجمالي، يعتبر مؤشراً لسلوك رؤساء واشنطن وموظفيها الكبار، مهما تغيرت الوجوه، ومحدداً للسياسات الأمريكية بنشر الفوضى وأدوات الفاشية الجديدة، بما يخدم هذا المجمع ومصالح الشركات الاحتكارية الكبرى.
إن منطقتنا، منطقة شرق المتوسط، كان لها النصيب الأكبر من القذارة الأمريكية، فحوالي 50% من أسلحتها تأتي من واشنطن وحدها، تحديداً خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها دول عدة، من خلال التوتير وإيجاد الحوامل الضرورية لتصدير الأسلحة، وتنشيط المجمع الصناعي العسكري. مما يعيد التأكيد على حقيقة: أن مصلحة واشنطن الجديّة والتاريخية لم تكن يوماً في محاربة الإرهاب، بل في تأجيج بؤر التوتر، بما يخدم الأوساط الأكثر رجعية في رأس المال المالي العالمي.
إن بقاء الولايات المتحدة في قائمة مصدري الأسلحة بنسبة 34% من مجمل الصادرات، وارتفاع نسبة صادراتها بحوالي 25% خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما يزيد عن الصادرات الروسية بنسبة 58%، مقابل تراجع صادرات الأسلحة الروسية، يعتبر مؤشراً على الاختلاف في التوجه ونمط العلاقات الدولية، الذي تقوده أمريكا من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى.
إن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، هي ليست كما قبل، نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعيشها المنظومة ككل، وخاصة مركز المركز الأمريكي، وبالتالي جميع مؤسساته بما فيها المجمع الصناعي العسكري، وذلك بالتزامن مع صعود نموذج دولي جديد متكامل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، تقوده الدول الصاعدة وتحديداً الصين وروسيا. لذلك وإن كانت واشنطن لا تزال تتصدر قائمة مصدري الأسلحة والشرور حول العالم، فإنها لن تستطيع الصمود مطولاً أمام الإجماع الدولي الجديد، والانقسامات الداخلية التي بدأت بالظهور للعلن، لذلك فليس أمامها سوى تنظيم عملية التراجع مرغمة، ولا تمتلك سوى الرضوخ في نهاية المطاف أمام القرارات والتوافقات الدولية لحل الأزمات، وإلًا فإنها ستصبح خارج الخارطة الدولية.