أزمة اليمن في ظل التوازن الدولي الجديد
صدر قرار مجلس الأمن رقم «2402»، الذي قدمت روسيا مشروعه، بالإجماع بعد استخدامها لحق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار بريطاني، لاعتراضها على بعض ما ورد فيه.
قدمت بريطانيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يشير إلى «قلق محدد» من أنّ «أسلحة إيرانية المنشأ تبين وجودها في صنعاء بعد تطبيق الحظر على الأسلحة»، وأن طهران «لم تلتزم» بالقرارات الدولية، لينتهي القرار بتصويت 11 دولة مؤيدة، ودولتين معارضتين، وامتناع دولتين عن التصويت، ولم يعتمد مشروع القرار بسبب الفيتو الروسي.
دعم روسي للانتقال السياسي
بالمقابل وافق مجلس الأمن بالإجماع على مشروع القرار الروسي الذي تقدمت به روسيا في 27/2/2018 والذي يقضي بتمديد العقوبات على اليمن حتى شباط 2019، والحاجة إلى تنفيذ عملية انتقال سياسي بشكل كامل وفي الوقت المناسب، في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني الشامل، تماشياً مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها.
السفير الروسي، أكد تأييده لغالبية نقاط مشروع القرار البريطاني، ولكنه قال: إن بلاده لا يمكن أن تتفق مع استنتاجات تتطلب إجراء مزيد من التحقيق والمناقشات في لجنة العقوبات. وقال: إنّ روسيا ترفض، من حيث المبدأ، التمديد التقني لفريق الخبراء التابع للجان العقوبات بشكل مسيّس. وذكر المندوب الروسي: أن صيغة مشروع القرار البريطاني يمكن أن تكون لها عقبات خطيرة تزعزع استقرار المنطقة، بشكل يمكن أن يصعّد التوتر الإقليمي، ويؤدي إلى الصراع بين الأطراف الرئيسة.
يُبرز الاختلاف بين مشروعي القرارين البريطاني والروسي، فرقاً في طريقة التعاطي مع الأزمة في اليمن. إذ تعكس وجهة النظر البريطانية السياسة العدائية، التي كانت ومازالت تستخدمها قوى الحرب في طريقة معالجتها للأزمات في منطقتنا، والتي تستند بالأصل إلى مشروع «الفوضى الخلاقة» الأميركي الصنع.
بينما تعتمد وجهة النظر الروسية خيارات الحلول السياسية السلمية في إدارتها للأزمات، منطلقة من حاجتها إلى تأمين حالة من الاستقرار في محيطها الحيوي، والذي تشكل منطقتنا جزءاً منه، وتسعى إلى تحقيق ذلك من خلال العديد من المبادرات والتنسيقات مع الأطراف المعنية جميعها، بكل أزمة على حدة. فبينما عبر مشروع القرار البريطاني عن القلق من «انتهاك إيران حظر توريد الأسلحة إلى اليمن» اكتفى القرار الروسي بتمديد العقوبات دون الإشارة إلى طهران، حيث أكد المندوب الروسي في مجلس الأمن: أن موسكو لم توافق على ما ورد في تقرير لجنة العقوبات لأنه «غير مدعّم بقرائن دامغة»، مما يشير ضمناً إلى وجود حدود من التوافقات بين روسيا وإيران.
نموذج جديد لإدارة الأزمات
قرار مجلس الأمن السابق ذكره، إذ يؤكد على إمكانية تسوية الخلافات في اليمن من خلال الحوار الوطني، فإنه يعكس التوازن الدولي الجديد، والذي تلعب فيه روسيا الدور الأكبر كداعم لخيارات الحلول السياسية، ليس في اليمن وحسب، إنما في القضايا العالقة جميعها، ومن بينها سورية. وبالتالي فهو يكرّس طرقاً جديدةً لإدارة الأزمات في العالم، تختلف عن الطرق التي كانت متّبعة في عهد سياسة القطب الواحد الأمريكي، والتي كانت تعتمد سياسة إشعال الحرائق تحت ذريعة «محاربة الإرهاب».
فالتصويت على مشروع القرار الروسي بالإجماع، ورفع الفيتو الروسي بوجه مشروع القرار البريطاني بخصوص اليمن، ما هو إلا واحد من المؤشرات العديدة التي تؤكد على الاختراق الذي تحدثه الدول الصاعدة في دور مجلس الأمن خصوصاً، وفي حلحلة الأزمات عموماً، وتدعم صحة القول: بأن العالم اليوم يتغير.