حول قرارات «المركزي الفلسطيني» واستحقاقات المرحلة

حول قرارات «المركزي الفلسطيني» واستحقاقات المرحلة

بعد وعود رسمية باتخاذ قرارات مهمة، عقد المجلس المركزي الفلسطيني دورته الـ28 في 14 كانون الثاني الحالي، بعنوان: «القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين»، بهدف بحث التطورات السياسية الأخيرة، ومن ضمنها: العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، عقب قرارها حول القدس.

تمر القضية الفلسطينية بمرحلة تاريخية هامة، محددها ليس فقط اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، بل التغيرات المرتبطة بدور الولايات المتحدة التاريخي بالقضية، أي فعلياً، انتهاء دورها كراعٍ للعملية السياسية، المرتبط بشكل أوسع بالتراجع الأمريكي على أصعدة عدة، هذا بالإضافة إلى المعلومات التي تشير إلى ضغوط تمارس على الفلسطينيين، لتقديم تنازلات في إطار التسوية، التي يطلق عليها «صفقة القرن».
حسابات جديدة للسلطة الفلسطينية
رغم أن ما تسمى «صفقة القرن» لم تظهر إلى العلن رسمياً بعد، إلّا أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في كلمته خلال اجتماع المجلس المركزي، أشار من خلال تأكيده على الرفض الفلسطيني لما تسرب منها، مما يوحي بوجود ضغوط تمارس على المسؤولين الفلسطينيين، لتقديم تنازلات تتعلق بالحقوق الفلسطينية.
في ظل تلك الظروف، عقد الاجتماع المركزي دورته، وكان ملفتاً ما جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والبيان الختامي للاجتماع، وغياب كل من حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي».
تضمنت كلمة الرئيس في البداية، سرداً تاريخياً للمسألة اليهودية، والدور الأوروبي والأمريكي في إنشاء دولة الكيان، ليرافقه تذكير بالنضالات الوطنية الفلسطينية. والتأكيد المتأخر للرئيس، بعدم إمكانية قبول الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام بعد الآن، وتوصية المجلس المركزي بإعادة النظر بالاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية، والكيان الصهيوني، والإشادة بالإنجازات التي حققتها السلطة في المحافل الدولية، واستصدار للقرارات، رغم تساؤله في الوقت ذاته: مستغرباً عن سبب عدم تنفيذ أي من تلك القرارات حتى الأن!
لكن وبالرغم مما جاء على لسان عباس، وإقراره المتأخر لحقائق فرضها الواقع، ولم يعد من المكن لأحد إنكارها، إلا أن ذلك لا ينفي مسؤولية السلطة في دخول مفاوضات عبثية برعاية أمريكية لأعوام، وتوقيع اتفاقيات مجحفة مع دولة العدو قيدت الشعب في نضاله ضد المحتل.
قرارات المركزي هل تنفذ؟
من جهة أخرى، صدر البيان الختامي للمجلس المركزي، متضمناً قرارات جديدة، وأعلنت أربع قوى فلسطينية تحفّظها على ما جاء في البيان الختامي الصادر عن المجلس، وهي: الجبهتان الشعبية والديمقراطية، وحزب فدا، والمبادرة الوطنية. ويمكن القول: إن بعض تلك القرارات تضمنت مواقف قاربت قضايا جوهرية، ولكنها لم تنطوِ على مواقف حاسمة، وكان ذلك واضحاً في مسألة اعتبار الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو، والقاهرة، وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات لم تعد قائمة، وذلك حسب ما جاء في البيان الختامي، وليس القطع النهائي مع نهج «أوسلو» وإلغاء الاتفاقيات والالتزامات المترتبة عليه، وهو الأمر الذي طالب به الكثيرون من فصائل سياسية وعسكرية، بالإضافة إلى كونه مطلباً شعبياً رفع على شكل شعارات خلال الاحتجاجات الأخيرة، وأيضاً في القرار الذي تضمن سحب الاعتراف بدولة الاحتلال، حيث جاء ذلك مرهوناً باعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
قرارات أخرى تم اتخاذها، يمكن القول: إنها مهمة فعلاً في حال تم تنفيذها، حيث تضمنت قراراً بوقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع دولة الاحتلال، والانفكاك من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرّسها اتفاق «باريس» الاقتصادي، بهدف تحقيق استقلال الاقتصاد الوطني، ولكن ذلك لم يترافق مع جداول زمنية للتنفيذ، مما يجعل الأمر يبدو مفتوحاً لمتغيرات الواقع.
وورد أيضاً ضمن القرارات: ضرورة العمل على إطلاق عملية سلام بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين واليابان، وهو ما يتوافق مع منطق التوازنات الجديدة، الذي يفرض نفسه على الجميع، مع انسحاب الولايات المتحدة من كونها لاعباً رئيساً على الخارطة الدولية وصعود دول أخرى.
ردود الأفعال
في تعليقها على قرارات الاجتماع الذي لم تحضره «حماس»، عبرت الحركة عن موقفها، بأن الاختبار الحقيقي لما صدر عن المجلس المركزي من قرارات هو: الالتزام بتنفيذها فعلياً على الأرض، ووضع الآليات اللازمة لذلك، وأكد الناطق باسمها فوزي برهوم، في تصريح صحفي: أن «ترتيب البيت الفلسطيني وفق اتفاق القاهرة 2011 والتصدي لمتطلبات المرحلة الهامة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال»، هو من الأولويات.
من جهة أخرى، اعتبرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» والتي تحفظت على بيان المجلس المركزي: أنّ «القرارات لا ترتقي إلى مستوى المجابهة المطلوبة أمام التحديات، ومخاطر التصفية، التي تتعرض لها القضية الوطنية الفلسطينية». ورأت الجبهة، في تصريحٍ لها: أنّ «العودة إلى سياسة «اللّعم» في صوغ غالبية المواقف التي تتطلب وضوحاً في الرد على الواقع القائم، وما نشأ عنه من تطوراتٍ سلبية، إنّما يعني: الاستمرار في مربع المراوحة والانتظار، واستمرار الرهان على جهودٍ إقليمية ودولية بإعادة إحياء المفاوضات، وعلى الإدارة الأمريكية، إذا تراجعت عن قرارها بخصوص القدس». وأن الواقع، والمخاطر تتطلب مواقف واضحة وحاسمة، ووقف الإجراءات كافة ضد قطاع غزة وغيرها.
أما «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» فرحبت بقرار المجلس المركزي الفلسطيني تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، وبالتقدم إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية. وأضافت: إن «هذا الترحيب بالقرارات الأربعة، لا يلغي وجهة نظرها، أنه وردت في البيان الختامي للمجلس المركزي مواقف ملتبسة يسودها الغموض، من شأنها أن تخضع لتأويلات مختلفة».
من جهة أخرى، استدعت قرارات المركزي، وكلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، انتقادات دولة الاحتلال وأحزابها، مطالبة الأمم المتحدة بإدانة تصريحات عباس الأخيرة، التي دعا فيها إلى إعادة النظر في الاتفاقات المبرمة مع تل أبيب، ورفض الوساطة الأمريكية بين الطرفين.
((كتلة منفصلة))
يمكن وصف قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، وكلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة، بأنها تضمنت تصعيداً ضد دولة الاحتلال والاتفاقيات الموقعة معه، والتي كرستها الحقبة السابقة، وذلك بحكم تطورات المرحلة والتوازنات الدولية الجديدة، التي تتيح هامشاً أكبر في هذه المرحلة، للخلاص من مفرزات الهيمنة الأمريكية، ولكن سقف التصعيد ذلك يبقى منخفضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، فالواقع يتيح ويتطلب مواقف أكثر حسماً، بما يسمح بالتفاف القوى الفلسطينية، في إطار برنامج وطني يحظى بدعم شعبي، في سبيل تحصيل الحقوق.