اليمن: مسار إلزامي للحل
شهدت الأزمة في اليمن تصعيداً غير مسبوق، وتسارعاً في الأحداث خلال أيام قليلة، أسفر عنها مقتل الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، يوم الاثنين 4 كانون الأول.
بدأ التصعيد بعد انقلاب صالح وحزب «المؤتمر الشعبي» الذي كان يقوده، على تحالفه مع الحوثيين، الذي دام ثلاث سنوات، حيث أصدر الحزب بياناً، يوم السبت 2 كانون الأول، دعا فيه أنصاره إلى «عصيان أوامر القيادات الحوثية، وإلى التعبئة من أجل الدفاع عن اليمن»، ليعقب ذلك سلسلة من التصعيدات الميدانية في العاصمة صنعاء.
وهم الانتصار العسكري
السبب المعلن لانقلاب صالح على تحالفه مع الحوثيين، هو: تحميل جماعة «أنصار الله» مسؤولية الاشتباكات وأعمال العنف، التي اندلعت حول مسجد «الصالح» في صنعاء قبل أيام من ذلك. الأمر الذي نفاه عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة «أنصار الله»، مستبعداً أن يكون أنصاره قد هاجموا أو اقتحموا الجامع، ومحملاً المسؤولية لمليشيات مسلحة متهورة ومشبوهة، ليس لها أي مبرر في تصرفها العدائي تجاه «أنصار الله».
لكن أياً كان المتسبب في اشتباكات صنعاء، فالواضح: أن التحول في موقف صالح، الذي كلفه حياته، والذي أعرب فيه عن نيته فتح صفحة جديدة مع دور الجوار، جاء متوافقاً مع تصعيد «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، والتصعيد السعودي في المنطقة ضد إيران بالشكل الأوسع. هنا، يبدو أن الهدف السياسي وراء ذلك كان محاولة سعودية للدفع اتجاه تصعيد الأحداث، بما يسمح من نقلة نوعية، تفضي إلى إغلاق هذا الملف، الذي أصبحت تكلفة استمراره من جهة، تثقل السعوديين، وخاصة مع تفاقم الأزمة الإنسانية ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، كان لها صدىً دولي، ومحاولة من جهة أخرى للدفع اتجاه قلب موازين القوى التي أصبحت كفتها لا ترجح للصالح السعودي وضوحاً، لا في اليمن ولا في ملفات أخرى.
أي: أن فشل المحاولة السعودية لتحقيق نصر ما في اليمن، وبأدوات جديدة، بعد عامين من تدخلها العسكري هناك، ضمن حملة يشنها التحالف العربي، لم تستطع خلالها حسم الأمور لصالحها، يعني أن حسابات تلك المحاولة كانت خاطئة، وهي تعكس موازين القوى الحقيقية في المنطقة، وبأن السعودية كما حلفائها الأمريكيين، أصبحوا أضعف من أن يفرضوا خياراتهم مثلما اعتادوا سابقاً.
لا بديل للحل السياسي
تصل الأزمة اليمنية اليوم إلى مفترق طرق، فبينما يحاول أولياء مشروع الفوضى والحلول العسكرية التصعيد على الأرض، فيما يشبه الزفرات الأخيرة، قبل الإقرار بالهزيمة، ثمة مسار آخر، تدفع باتجاهه روسيا، لحل الأزمة سياسياً.
حيث أفادت مصادر إعلامية، بأن الجيش اليمني، بدعم من قوات «التحالف»، تمكن من السيطرة على مواقع جديدة في محور صعدة، وأخرى في البقع. وبأن طيران «التحالف» شن عشرات الغارات على مواقع الحوثيين في صنعاء والمناطقة المحيطة بها. أدت إلى سيطرة القوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، على عدة مواقع لعناصر جماعة «أنصار الله»، مما أدى إلى مقتل العشرات منهم. ومن جهة أخرى، أفادت وكالة أنباء يمنية تابعة للحوثيين: أن قوة صاروخية ومدفعية قصفت مواقع «التحالف العربي»، مؤكدة أن العشرات من جنود «التحالف» لقوا مصرعهم.
مقابل هذا التصعيد العسكري، دعا المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، خلال لقاءاته مع القيادة اليمنية والمبعوث الأممي لوقف العنف في البلاد. وجاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية: أنه «جرى التأكيد أيضاً على أن أية صفقات وراء الكواليس أو خطط غير مدروسة بشأن اليمن مرفوضة، ولا تؤدي إلا إلى تفاقم التطورات السلبية حوله.. بينما تم التأكيد على عدم وجود بديل لتسوية الأزمة في اليمن، عبر حوار شامل يراد منه أن يؤدي، وبرعاية الأمم المتحدة، إلى حل مقبول لدى الأطراف السياسية المشاركة في النزاع اليمني جميعها».
في المقابل، صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت: أن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تزايد العنف في اليمن، وتدعو الأطراف المتنازعة جميعها للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
يبدو هنا أن الدعوة الأمريكية للحل السياسي في اليمن، لا تنفصل عن المنطق الأمريكي بالتعامل مع ملفات المنطقة، والانسحاب التدريجي منها، لنقل عوامل التوتير نحو مناطق أخرى من العالم، وهي حسابات أمريكية، مرتبطة بواقع تفرضه محصلة موازين القوى، مع مضي مشروع الحلول السياسية قدماً، والذي تقوده روسيا بشكل أساس، فهل يدرك حلفاء واشنطن في المنطقة هذا الواقع، قبل أن يدفعهم التعنت نحو مزيد من الخسارات؟