روسيا والصين على طريق «الحرير»
وائل سعد  وائل سعد 

روسيا والصين على طريق «الحرير»

منذ ما يقارب سبع سنوات تقريباً، بدأ ظهور التحالف السياسي الروسي_ الصيني، بشكله الجلي والعلني، من خلال إنشاء مجموعة «البريكس»، المتينة نسبياً بالنظر إلى حال غيرها من التحالفات التقليدية، التي خدمت مرحلة الهيمنة الغربية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، ومثلها يظهر التنسيق ضمن «منظمة شنغهاي»، للتعاون الأمني، والعلاقات الثنائية المتطورة بين البلدين، بتسارع متزايد...

يمكن اعتبار الدخول الروسي_ الصيني المتناسق على خط الأزمات في الملفات كلها العالقة دولياً في السنوات الأخيرة، إعلاناً سياسياً في وجه الغرب، مضمونه: أن الخارطة العالمية بالطريقة المدارة أمريكياً لم تعد قابلة للاستمرار بذلك الشكل، وأن دولاً صاعدة من شأنها إيجاد توازن مستقر لمنظومة العلاقات الدولية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً ...

التمهيد لـ«طريق الحرير»

هذا الدور الروسي_ الصيني، نجح إلى حد بعيد في رسم الخطوط السياسية العامة للعالم الجديد، رغم الأجواء المتوترة في أوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية، وشرق المتوسط، وأمريكا اللاتينية، حيث إن هذه البؤر المتوترة تم تطويقها ووضع سقوفها وفق التوازنات الدولية المستجدة، وعدا ذلك فالخيارات الغربية كلها للتعاطي مع هذه الأزمات، قد ترتد سلباً ليس على المصالح الغربية فقط، بل داخل دولهم أيضاً، والأزمة الكورية خير مثال على استبعاد الخيار العسكري ضد كوريا الديمقراطية، بالشكل المرغوب أمريكياً، مع الإشارة إلى أن القرارات المتهورة تبقى قائمة بطبيعة الحال، لكنها أقل حظوظاً من الحلول التوافقية على المستوى الدولي، وكذلك الأمر في سورية أو اليمن، أو فنزويلا ...الخ

هذا الوضع السياسي المدعوم أيضاً بمستوى عالٍ من الجدية والنجاعة في مكافحة الإرهاب والتطرف، كما هو الحال في سورية مثالاً، مهد الطريق لمرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية الواسعة في العالم، بمخاوف أقل من العصا الأمريكية التي لطالما هددت بأي انحرافٍ عن العلاقات المرسومة غربياً، ويظهر ذلك بدايةً في التطور السريع للعلاقات الاقتصادية الروسية_ الصينية، وما تلاها من علاقات دولية في إطار مشروع «طريق الحرير الجديد» وغيرها من المشاريع...

حول تسريع عجلة التنمية؟

ارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين روسيا والصين بمقدار الثلث مقارنةً بالعام الماضي، بحيث تجاوزت ما يقارب 90 مليار دولار، وقد تصل إلى 100 مليار دولار بحلول نهاية العام.

وتم إعلان هذا البيان في المنتدى الدولي «روسيا والصين: تحديات وآفاق التكامل الدولي»، الذي يُعقد في موسكو، يقول، فيتالي مونكيفيتش، رئيس الاتحاد الآسيوي الروسي للصناعيين ورجال الأعمال: «هنالك ردود أفعال صينية جيدة، وهذا يعني أنه خطوة بخطوة سنصل إلى هدفنا»، وذُكر خلال المنتدى، أن الاستثمارات ستأتي بعد القوافل التجارية، وستكون بمعظمها مرتبطة بالمشروع الدولي «طريق الحرير».

وانغ ون عميد «معهد الدراسات المالية» بجامعة «الشعب الصينية» يقول في هذا الصدد: «تلعب روسيا أحد الأدوار الرئيسة في وضع استراتيجية لتطوير طريق الحرير، وتلعب العلاقات السياسية والاستراتيجية بين البلدين دوراً كبيراً أيضاً، فالروس قريبون منا، ونعتقد أن الخطوط الرئيسة ستتعلق بتطوير العلاقات الروسية الصينية وبناء البنية التحتية».

يعد «طريق الحرير» الحديث، طريقاً لنقل البضائع من الصين إلى أوروبا، ويُتوقع أن يصاحب هذا المشروع بناء عدد من مرافق البنية التحتية، التي تَعد مستقبلاً بالتنمية في البلدان الواقعة على طول الطريق التجاري، وتتمثل المهمة في العقد القادم: زيادة تدفق الاستثمارات الصينية إلى روسيا بما يصل إلى 30 مليار دولار، تُعد هذه المشاريع مثيرة للاهتمام ومفيدة ومهمة للطرفين، وهو ما يسعى إليه رجال الأعمال الصينيون.

على النقيض من ذلك، تعمل سياسة الولايات المتحدة بنشاط ضد الاستثمار في الاقتصاد الروسي، والدليل هو: مجموعة العقوبات المناهضة لروسيا، التي يعتبرها العديد من الخبراء استعداداً لتجميد الأملاك الروسية المُستثمرة في سندات الحكومة الأمريكية.

في هذا السياق يقول، ميخائيل ريميزوف، رئيس «معهد الاستراتيجية الوطنية»: «إن تجميد الأملاك هو إجراء استثنائي من أجل تبرير تطبيق تدابير استثنائية، فمن الضروري رفع درجة المعلومات والهستيريا إلى حد كبير جداً، ونحن نرى أن هذا الحد آخذ بالارتفاع. وبناءً على ذلك فإن ما نراه هو إعداد إعلامي وسياسي لاعتماد تدابير قاسية سببت بالفعل أثراً خانقاً في المجال المالي».

وأضاف خلال المنتدى في موسكو: أنه «من المهم بالنسبة لروسيا والصين أن توحد جهودها لشن حرب مالية على الولايات المتحدة». 

سيشارك الصينيون أسرار المعجزة الاقتصادية لبلادهم مع الروس، إذا حافظت النخبة المالية والاقتصادية الروسية على زمام أمور الاقتصاد المحلي، مما يسمح بالحفاظ على معدل النمو مرتين أو ثلاث مرات أعلى من المتوسط العالمي لمدة 30 عاماً، ومثلما يقول المثل الصيني: «إن الرغبة تمهد الطريق للشمس في يوم ممطر».

معلومات إضافية

العدد رقم:
836