وهذا ماكرون أيضاً...

وهذا ماكرون أيضاً...

في ظل تصاعد وتيرة التصريحات الأوروبية المتمايزة عن منطق الخطاب الأمريكي، لم يكن مستغرباً تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم أمس، حول «التحدي» الذي تعيشه أوروبا، والمتمثل_ حسب ما أعلن من على منبر جامعة السوربون في باريس_ بـ«فك الارتباط الحتمي والتدريجي عن واشنطن».

في سياق البحث عن سبل «فك الارتباط» هذا، دعا ماكرون إلى تشكيل قوة تدخل عسكرية أوروبية مشتركة، ملمحاً إلى ضرورة تمتعها بقدرة تدخل مستقلة، على أن تكون «مكمِّلة» لحلف شمال الأطلسي الذي كان لواشنطن اليد الأولى في تأسيسه.
ومستنداً إلى الحقيقة المرَّة القائلة: أن «أوروبا التي نعرفها اليوم قد غدت ضعيفة جداً، وبطيئة جداً، وغير فاعلة»، فتح ماكرون باب النقاش على «تحولٍ عميق» في الاتحاد الأوروبي، وعلى سلسلة مقترحات من شأنها أن تعيد لـ«البيت الأوروبي» بعض ما فقده من القوة السياسية كفاتورة لمرحلة التراجع الأمريكي...
ولفهم الضغط الأوروبي الداخلي المتصل في هذا الشأن، لا بد من الرجوع إلى الدور الكارثي الذي لعبه الاتحاد الأوروبي، حيث قام الاتحاد ومن خلال إفراغ مفهوم السيادة والديمقراطية من معناها، وإبعاد الشعوب عن صنع القرار السياسي، بتغذية الضيق العام وحملات إعادة التفكير بالهوية الأوروبية، ما أفرز سلسلةً من الاستفتاءات على شاكلة «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- بريكست»، وصعود التيارات السياسية الجديدة المتكئة على أزمة القوى السياسية التقليدية. وقد غلّب الاشتراك في التحالفات المقادة أمريكياً على حقوق الإنسان في أوروبا. كما خاطرت النخبة الأوروبية من خلال إدارتها للأزمة الاقتصادية بما يرضي واشنطن، ففاقمت عوامل اللامساواة والفقر والبطالة.
كما يبدو، فقد بدأ القادة الأوروبيون_ تحت تأثير الأزمات المتلاحقة_ يستشعرون خطر الوقوع في فخ مقولة: «إما أوروبا تقودها واشنطن، أو لن تكون هنالك أوروبا مطلقاً». وقد تعكس تصريحات ماكرون، وقبله ميركل، وموغيريني التي غدت خطاباتها «أكثر أوروبية»، المحاولات التي تجري للتأكيد على أن لدى أوروبا خيار ثالث، ليس أمريكياً... لكن هذه المحاولات ستبقى مرهونة بتغيير النظام الدولي القديم، والتكيف الأوروبي مع النظام الدولي الجديد، بأوزانه الجديدة..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
830