أمام ألمانيا الفرصة لتصبح «عظمى»

أمام ألمانيا الفرصة لتصبح «عظمى»

تمكنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من الفوز بولاية رابعة في الانتخابات التشريعية، التي جرت في 24 أيلول الحالي، وذلك بحصول تحالفها «الاتحاد المسيحي» على نسبة 33بالمئة من الأصوات.

في المقابل، مني الحزب «الاشتراكي الديمقراطي» - حليف ميركل في الائتلاف الحكومي الأخير- بهزيمة انتخابية بعد حصوله على 2,.5 بالمئة من الأصوات، وحقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» القومي، صعوداً حاسماً للمرة الأولى بحصوله على 12,6 بالمئة من الأصوات ما يؤهله لدخول البرلمان كقوة سياسية ثالثة بحصوله على 94 مقعداً نيابياً.

فوز بطعم التراجع

رغم أن حزب ميركل احتل المركز الأول، فإنه خسر الكثير من الأصوات مقارنةً بالانتخابات الماضية، وجاءت النتيجة أسوأ مما كان متوقعاً، حيث لم يحصل حزبها على الأصوات الكافية لتشكيل حكومة الأغلبية. ويعتبر حصول «التحالف المسيحي» على نسبة 33 بالمئة فقط من الأصوات مؤشراً على تراجع شعبية «المحافظين» إلى أدنى مستوى لهم منذ أول انتخابات وطنية جرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1949. 

شعبية ميركل التي تراجعت، مع بدء التغيرات في الاتحاد الأوروبي، دفعتها للقول على إثر الانتخابات: إن ألمانيا عليها «الكثير جداً من الواجبات المستقبلية لتحلها». وفي إطار الرد على صعود «البديل»، دافعت ميركل عن سياستها بشأن اللجوء، وعن قرارها بفتح الحدود أمام اللاجئين عام 2015 بقولها: إنه «كان صحيحاً» و«سنواصل مكافحة أسباب الهجرة غير الشرعية»، وبأنها لا تستبعد تشكيل لجنة تحقيق بشأن سياستها في «أزمة» اللاجئين، على خلفية ما أعربت عنه مرشحة «البديل»، أليس فايدل، بأن حزبها سيسعى إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الانتهاكات القانونية للمستشارة ميركل فيما يتعلق بهذا الملف.

من سيحكم ألمانيا للسنوات 4 المقبلة؟

يتكون الائتلاف الحكومي الحالي من حلف «الاتحاد المسيحي» والحزب «الاشتراكي الديمقراطي»، إلاّ أن الأخير أعلن على خلفية هزيمته في الانتخابات، عن عدم نيته الانضمام إلى الائتلاف الحكومي المقبل وتحوله إلى صفوف المعارضة، وعن ضرورة إجراء تغيير في سياساته، وذلك بعد حصوله على أدنى نسبة له من الأصوات منذ أربعينيات القرن الماضي أيضاً، وحمّل ميركل على لسان مرشحه، مارتن شولتس، مسؤولية نتائج الانتخابات، والنجاح الذي حققه حزب «البديل» بالدخول إلى البرلمان، وأضاف: إن ميركل هي «الخاسر الأكبر» من الانتخابات. في المقابل، أعرب الحزب «الديمقراطي الحر» الليبرالي، عن سعادته بالعودة إلى البرلمان بعد غيابه خلال الدورة الانتخابية الماضية. والذي يرجح انضمامه إلى جانب حزب «الخضر» و«الاتحاد المسيحي» في ائتلاف لتشكيل الحكومة المقبلة.

أوروبا المأزومة

ما يمكن تثبيته من نتائج الانتخابات حتى الآن، هو: أنه ثمة قوى سياسية تقليدية في ألمانيا تراجعت شعبيتها لأدنى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن الشعب الألماني اليوم كغيره من الأوروبيين، يبحث عن بدائل، فتراجع «المحافظين» و«الاشتراكيين الديمقراطيين» مقابل صعود «القوميين» و«الليبراليين»، إنما يعني أن قوىً سياسية جديدة _ وإن لم تكن في حقيقة الأمر خياراً أفضل لشعوبها_ تصعد بفعل أزمة القوى السياسية التقليدية، وأن هنالك ضيقاً شعبياً عاماً من سياسات «النخب» الأوروبية التي غيّبت مفاهيم السيادة والديمقراطية عن بلدانها بربطها سياسياً واقتصادياً بالولايات المتحدة المأزومة، وسرعان ما سيعبر عن نفسه سياسياً.

الحل لا يزال متاحاً

أمام ميركل اليوم الكثير من التحديات، الداخلية منها والخارجية، أولها: إيجاد تحالفات جديدة في البرلمان تسمح بتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، وثانياً: العمل على ما وعد به تحالفها قبيل الانتخابات بتخفيض معدلات البطالة وزيادة الإنفاق العام وزيادة إيرادات الخزينة القادمة من ضرائب الدخل.

أمّا فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فعلى ألمانيا التعامل مع الضغوط الأمريكية على التقارب الألماني_ الروسي والذي كان أبرزه مشروع خط غاز السيل الشمالي 2، الذي يطمح إلى نقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، حيث التهديدات الأمريكية مستمرة بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية المستثمرة فيه، والذي كان من الملفت رفض سياسيين ألمان لتلك العقوبات، واعتبارها خرقاً للقانون الدولي. فواشنطن قلقة اتجاه ألمانيا، التي ترى فيها منافساً أوروبياً ذا وزن اقتصادي يتيح لها إمكانية القطع مع المنظومة الأمريكية، وتطبيع العلاقات مع القوى الصاعدة، الأمر الذي قد ينعكس على أوروبا الضعيفة ككل، ولكن ذلك مرهون بالخروج من النظام الدولي القديم وعلاقاته، والتكيف مع النظام الدولي الجديد، وهو إن حدث فإن الحكومة الألمانية ستكون قادرة بالفعل على كسب تأييد شعبي ووزن دولي مرموق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
830