لماذا تتحرك «المصالحة الفلسطينية» الآن؟

لماذا تتحرك «المصالحة الفلسطينية» الآن؟

أنهى أعضاء المكتب السياسي لحركة «حماس» مباحثات مطولة في مصر - ممثلة بجهاز مخابراتها العام- بحثت على نحوٍ شامل طبيعة العلاقة بين مصر والحركة من جهة، وتحديداً في الملف الأمني، ومن جهة أخرى العلاقة بين السلطة الفلسطينية و«حماس»، وملف المصالحة الوطنية العالق منذ توقيع «إعلان القاهرة» عام 2005، وما تلاه من اتفاقيات موقعة، منها: إعلان صنعاء 2008، و«الورقة المصرية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني» 2009، و«اتفاق الشاطئ» 2014، وصولاً إلى المباحثات المباشرة في الأشهر الأخيرة بين القاهرة وكل من الحركتين...


الجديد في المباحثات الفلسطينية الأخيرة، هو: مسارعة «حماس»، إلى حل «اللجنة الإدارية» التي تدير شؤون قطاع غزة، حتى قبل انتهاء المحادثات مع جهاز المخابرات المصرية، في نوايا واضحة لتحريك ملف المصالحة، على الأقل من باب سد الذرائع، قبل الخوض في تفاصيل إتمام المصالحة بافتراض قناعة الطرفين بهذا الخيار...
ضرورات المرحلة
يأتي «انعطاف حماس» في علاقاتها الخارجية مع مصر، نتيجة انخفاض الوزن النسبي لكل من قطر وتركيا في ملف القضية الفلسطينية ككل، وتصاعد وزن مصر إقليمياً، لكن تبدو المسألة في العمق أكثر تعقيداً، حيث يمكن القول: إن تراجع دور حركة «الإخوان المسلمين» في المنطقة عموماً ألقى بثقله على ما يمكن الاصطلاح عليه بـ«التيار الإخواني» الموجود داخل «حماس»، مضعفاً إياه وفاتحاً المجال أمام التيارات الأخرى للبحث عن تحالفات أكثر استقراراً وتأثيراً مقارنة بالدور الذي كانت تلعبه قطر وتركيا المأزومتين اليوم، والخيار هنا كان مصر موضوعياً، إلى جانب إعادة العلاقات تدريجياً مع إيران والجزائر.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، بعد المباحثات، شدد هنية على أن قرارات المكتب السياسي قد تم اتخاذها بالإجماع، في محاولة منه لإبعاد الشكوك حول احتمال وجود تباينات داخل المكتب السياسي، هذه التباينات الموجودة فعلاً، والتي تم الحسم فيها لمصلحة التيار الرافض لربط مصير الحركة بمصير «الإخوان» كتنظيم عالمي.
من الأسهل إلى الأصعب
في تصريح لوكالات أنباء فلسطينية، يقول الناطق الرسمي باسم «حماس»، فوزي برهوم: «إن أسهل قرار هو حل اللجنة الإدارية، ولكن لم تكن هنالك ثقة بأبي مازن وحركة فتح، ولم يكن هنالك ضامن حقيقي لإجبار وإلزام أبي مازن باستحقاقات الوحدة والمصالحة كلها»، بعيداً عن أجواء الاتهامات المتكررة. يصيب برهوم بالقول أن حل اللجنة الإدارية أمر سهل، حتى إن باقي البنود التي تسربت من لقاءات السيسي- عباس، ونقلتها «الحياة» اللندنية، ليست بالأمر الصعب، كتمكين حكومة «الوفاق الوطني» من العمل بحرية في القطاع، وحل مشكلة موظفي «حماس» واستيعابهم ضمن الجهاز الحكومي، وفك الحصار الاقتصادي المفروض من السلطة على أهالي القطاع نتيجة الصراع السياسي بين الفصيلين، هذه الإجراءات كلها قابلة للتنفيذ سريعاً فيما لو صدقت نوايا «المصالحة»، لكن التعقيدات الحقيقية ستظهر في تفاصيل أخرى متعلقة بانتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني، ليس من حيث التمثيلات والحصص الحكومية على وجه التحديد، بل من حيث البرنامج الوطني المطلوب لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني، ذلك بالإجابة عن الأسئلة المطروحة في الشارع الفلسطيني الذي يترقب سلوك النخب السياسية ومدى تناغمها مع جاهزية الشعب الفلسطيني للمقاومة بأشكالها كافة وهو ما ظهر في حراك الأسرى، ولاحقاً المسجد الأقصى، والمواجهات المستمرة مع قوات العدو في الضفة.
هذه الأسئلة التي من بينها وربما أهمها بالنسبة للفلسطينيين، إعلان الموقف الواضح مما يسمى «التنسيق الأمني»، ومن الحفاظ على خيار المقاومة المسلحة كخيار أساسي، وأيضاً شكل ومضمون المفاوضات المفترضة مع كيان الاحتلال، والتي تعتبرها السلطة الفلسطينية الحالية الخيار الوحيد القادر على انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني! وما سيتغير فيها إذا ما تشكل مجلس وطني يضم الفصيلين، إضافة إلى دور منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من التعقيدات المتراكمة والتي تعتبر حالة الانقسام الفصائلي أحد مسبباتها.
ومن المؤكد أن الفصائل الفلسطينية الأخرى سيكون لها موقفها من هذه التفاصيل كلها، داخل «المجلس الوطني» و«منظمة التحرير الفلسطينية»، فرغم ترحيب «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بقرار حل اللجنة الإدارية وتمكين «حكومة التوافق» على العمل في غزة، إلا أن التناقضات البرنامجية أعلاه بين «حماس» و«فتح»، تنساق على علاقة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» مع باقي الفصائل أيضاً.
من جهتها أعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» عن ترحيبها بالجهود المصرية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، مؤكدة في الوقت ذاته على لسان القيادي، خالد البطش، على أن الحركة «باتت تستطيع أن تخوض مواجهة عسكرية مع العدو الإسرائيلي بمفردها».
الكرة في ملعب السلطة
طالبت «حماس» رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، «بالسماح فوراً لحكومة رامي الحمد الله بتحمل مهامها ومسؤولياتها كافة في غزة، دون تعطيل أو تسويف»، ذلك في بيان نشرته الحركة على موقعها الرسمي.
ويضيف البيان: أن الناطق باسم الحركة فوزي برهوم دعا في تصريح صحفي رئيس السلطة إلى «اتخاذ خطوة عاجلة بإلغاء قراراته وإجراءاته العقابية جميعها ضد أهلنا في القطاع، خاصة بعد استجابة حماس للجهود المصرية وحلها للجنة الإدارية».
في المقابل، طلبت السلطة الفلسطينية مهلة من الوقت حتى عودة عباس من الولايات المتحدة لإجراء المشاورات لإعلان الموقف الرسمي المباشر من الوساطة المصرية. يشير فايز أبو عيطة المتحدث الرسمي باسم «فتح» إلى أن السلطة «تنتظر أن تتمكن حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني من ممارسة مهامها في قطاع غزة»، مشيراً إلى أنه قبل ذلك «أمام الحكومة عمل وجهد كبير، يتعلق بتخفيف العبء على المواطنين في القطاع المحاصر».
ففي سياق تفاعل السلطة مع مواقف «حماس» الأخيرة، ذكرت وكالة «معاً» أن عباس تلقى اتصالاً هاتفياً، من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في ضوء أجواء المصالحة، بعد إعلان الحركة حل اللجنة الإدارية في غزة، ووفقاً للوكالة فقد عبر عباس عن ارتياحه لأجواء المصالحة التي سادت عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال الجهود المصرية، والذي سيمكِّن حكومة «الوفاق» من ممارسة صلاحياتها في غزة، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
829