الكباش الخليجي... و«الواقعية» الأمريكية

الكباش الخليجي... و«الواقعية» الأمريكية

منذ اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران الماضي، لم تتوقف جهود الوساطة الموكلة إلى الكويت بالتنسيق مع الولايات المتحدة على مدار الساعة، ولا حتى التحركات التركية المستمرة في هذا الصدد، وهو ما يطرح تساؤلاً - بعد أربعة أشهر من انفجار هذه الأزمة- حول المعرقل الأساسي لحل هذه الأزمة سياسياً، من بين عشرات العراقيل التي تكتنف هذا الحل...

 

يبقى موقف واشنطن هو المعرقل الأساسي في هذه الأزمة، وما يترتب عليه من مواقف قطرية وسعودية، في تعاطيهما المتبادل ضمن تفاصيل هذه المعركة السياسية- الاقتصادية والإعلامية، وتبقى عملية فهم التبدلات اليومية على خط هذه الأزمة، مرهونة بفهم الموقف الأمريكي منها، كونه اللاعب الأساس في هذا الخلاف.
واشنطن الحيادية!
زيارات متتالية لعسكريين أمريكيين إلى قطر، وبيانات متتابعة من البيت الأبيض حول دعم واشنطن لجهود الوساطة الكويتية، وحل الخلاف على أساس الحوار، ولقاءات مع أمراء الكويت وقطر والسعودية والإمارات دورياً لبحث الأزمة، ولا انتقاد صريح لأي طرف من الأطراف، ولا ميل لدعم طرف بشكل واضح وعلني على حساب الآخر، هذا هو ملخص السلوك الأمريكي في الملف الخليجي، لكن هذه الحالة الأمريكية - وإن تضمنت حقيقة اللعب الأمريكي على وتر خلافات الحلفاء قطر- السعودية، من باب ضمان وجودها كربيب لسياسات دول الخليج- إلا أن الجزء الأكبر من الموقف الأمريكي هو: العمل وفقاً لما يمكنها – بوزنها الحالي- أن تفعله، أكثر مما هو خيار واعٍ تتخذه في تعاملها مع حلفائها.
والمقصود هنا بـ«الواقعية» الأمريكية هو: الخلاف الجاري داخل أروقة صناع القرار في الإدارة الحالية وفي جهاز الدولة الأمريكي، حول المفاضلة بين الحليفين القطري والسعودي، والذي يبدو أنه لم يحسم بعد، ومتروك مرحلياً طالما أنه «مسألة ثانوية»، بالنظر إلى الأزمات الدولية الكبرى والتي تعد واشنطن جزءاً منها.
وما يؤكد حالة المراوحة الأمريكية في خيارها، هو: تكرار هذه الحالة في اليمن مثالاً، وعدم قدرة واشنطن على اتخاذ قرار نهائي بالتدخل إلى جانب السعودية في حربها، رغم وجود بعض النوايا داخل مراكز القرار الأمريكي والتي حاولت التدخل العسكري تجريبياً عن طريق الإنزالات الجوية لا أكثر، ومثلها الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية، وحسم الاصطفاف إلى جانب أحد الطرفين المتنازعين، والأهم من بين التناقضات داخل الإدارة الأمريكية هو: الصراع حول الملف النووي الإيراني، الذي ما زال مستمراً حتى اليوم داخل الإدارة الأمريكية، مع ميل نسبي نحو التهدئة مع إيران، والقول هنا بأهمية الملف النووي الإيراني، كمثال على التناقضات الأمريكية، كونه يرتبط بموضوع البحث «وهو الأزمة الخليجية»، طالما أن أول مطالب دول الحصار هو: إلحاق قطر بالسياسات السعودية اتجاه إيران إلحاقاً تاماً، وربما تكون هذه الأزمة في أحد أهم جوانبها هي «أزمة مصغرة» بين «المتشددين والقانعين» داخل واشنطن بالاتفاق النووي الإيراني والطريقة التي انتهت إليها مفاوضات إغلاق هذا الملف، فالمتشددون يغمزون للسعودية باستمرار التصعيد، بينما تدفع القوى القانعة بواقع الحال اتجاه الإبقاء على الأزمة ضمن الحدود المقبولة.
بنود المصالحة... وشروطها
من هنا، يمكن الدخول إلى تحليل المطالب السعودية الأشبه بمطالب إذلال للخصم السياسي. نورد فيما يلي جزءاً منها:
إن صحت التسريبات حول ورقة مطالب «دول الحصار»، المكونة من 13 بنداً، وهو ما لم تنف صحته السعودية ولا قطر، وسط اتهامات إماراتية لقطر بتسريب هذه الورقة، فإن المطالب بمضمونها، تعني طلب إذعان سياسي قطري مطلق للسعودية تحديداً، حيث جاء في بندها الأول: «إعلان قطر رسمياً عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات...»، وجاء ثانياً: «الإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية».
كما جاء في البنود، «التعويض عن الضحايا والخسائر كافة، وما فات من كسب للدول الأربعة، بسبب السياسة القطرية، خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع في قطر»، وبنود أخرى متعلقة بوقف دعم التنظيمات الإرهابية.. إلخ.
بغض النظر عن دقتها، تكرِّر هذه الورقة مضمونها بشكل آخر في آخر قمم الجامعة العربية، وما جرى من ملاسنات وصدامات بين مندوبي السعودية والإمارات من جهة، والمندوب القطري من جهة أخرى، فالمندوب السعودي في الجامعة العربية، وسفير بلاده في مصر أحمد قطان، رد على كلمة المندوب القطري سلطان المريخي، التي أثنى فيها على علاقة بلاده مع إيران، بالقول: «هنيئاً لكم بإيران وإن شاء الله عما قريب سوف تندمون على ذلك»، مضيفاً في السياق ذاته: «عليكم أن تعودوا إلى رشدكم، نحن لا نريد تغيير نظام الحكم لديكم، لكن عليكم أن تعوا جيداً أيضاً أن المملكة العربية السعودية قادرة أن تفعل أي شيء تريده إن شاء الله».
لهجة التهديد السعودية هذه، وما هو متاح لها من رفع سقوف التصعيد الخطابي، لا يمكن أن تمر بهذه الطريقة لولا وجود ضمانات أمريكية مستترة، وبالتالي، فإن السعودية ماضية في تأجيج الخلاف طالما ألّا ضغوط دولية أو إقليمية لتحويل مسار الأزمة باتجاه الحوار، فالصحافة السعودية سبق أن استهزأت بجهود تركيا لحل الخلاف، وسبقتها إشارات ضمنية تتضمن معاتبة للكويت التي لم تنضم إلى حلف «دول الحصار».
هنا، تبدو الأزمة بعيدة الحل في المرحلة الحالية، ومعتمدة على غيرها من التغيرات الدولية والإقليمية، دون أن نشهد انعطافات كبرى، كالتي تتمناها السعودية، بانهيار قطر اقتصادياً نتيجة الحصار المفروض عليها، أو إمكانية القيام بعمل عسكري ترفضه موسكو وأنقرة وطهران بشدة، لكن في الوقت نفسه، أصبحت دول الخليج في طور جديد من سياساتها الإقليمية والدولية، وتحاول – مرغمة- تسويق نفسها كدول تحارب الإرهاب وتشارك في حل الأزمات، وهو دليل تراجعها عن سياساتها الإقليمية التي ساهمت في إشعال المنطقة طوال السنوات الماضية، لكن هل ستتحمل قطر وحدها فاتورة السنوات القاسية التي عاشتها المنطقة بعد تصاعد الحراك الشعبي قبل حوالي ثماني سنوات؟ وهل ستنجح السعودية في رمي كرة النار خارج حدودها طالما أنها شاركت في دعم الإرهاب أيضاً كما قطر؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
828