الصراع الدولي على الأبواب الصينية
تتوجه أنظار العالم يومياً نحو الكارثة الإنسانية في إقليم راخين جنوب ماينمار، وسط غياب أية بوادر لحل الأزمة، التي تبدو بأبعاد جيوسياسية، أكثر مما هي عليه كأزمة داخلية تخص حكومة ماينمار، فدول الجوار لها مواقف متباينة، ومتأثرة أيضاً بما يجري في تلك المنطقة، وهذا كله ضمن إطار أشمل متعلق بالصراع الدولي على شكل ومضمون العالم الجديد...
تعقيدات الأزمة في ماينمار ليست بالجديدة، حتى أن أساساتها الموضوعية متواجدة في مجمل منطقة المحيط الهندي، على اعتبار أن حركة الهجرة طوال القرنين الماضيين على أقل تقدير ظلت نشطة، من بنغلادش اتجاه ماينمار «بورما سابقاً»، ومن بنغلادش اتجاه شمال شرق الهند، وغيرها من حركات الهجرة التي أدت إلى تشكل تيمور الشرقية، والفليبين...
لكن انخفاض معدلات التنمية والموارد، وانخفاض معيشة الأفراد في تلك المنطقة، بالإضافة وجود كثافات سكانية عالية جداً، جعلت من هذه المنطقة ومن هذا التنوع العرقي والثقافي عرضة للاستثمار السياسي من قبل دول أخرى، ابتداءً من مرحلة الوجود البريطاني في الهند، وما تبعها من استعمار حديث قادته الولايات المتحدة، فهذه الأزمة في ماينمار شهدت في العقود الماضية مداً وجزراً متعلقاً بظروف الدول المحيطة، والظروف الدولية في مرحلة ما بعينها، وهو ما يطرح سؤالاً حول توقيت إعادتها إلى واجهة الأحداث الدولية، بالتوازي مع أزمة شبه الجزيرة الكورية وبعض الأحداث المستجدة في إقليم كشمير بين الهند وباكستان.
حصار الصين بحرياً
تلك التوترات كلها تؤكد نقل الصراع الدولي أمريكياً، من شرق المتوسط اتجاه الحدود الصينية، وعليه، فإن الصين ملزمة بالإبقاء على هوامش أمان عالية يتمثل أحدها بالمنفذ على المحيط الهندي، من بوابة ماينمار، لكن واشنطن والغرب عموماً يدفع بما له من إرث استعماري ونفوذ في تلك المنطقة اتجاه خنق الصين بحرياً، على اعتبار أن استعصاء الأزمة في ماينمار يقتضي تدخلاً خارجياً لإيقاف الكارثة الإنسانية، وبالتالي، تحويل ماينمار إلى مساحة دولية، تمنع الصين من إكمال مشروعها المسمى «حزام واحد.. طريق واحد»، هنا تتصدى بنغلادش المتضررة حقيقة من أزمة ماينمار، للأصوات المطالبة بالمناطق الآمنة في شمال غرب ماينمار، حيث اقترح محمد عبد الحميد رئيس بنغلادش، إنشاء «منطقة آمنة»، للاجئين من ولاية راخين بشمال غرب ماينمار تحت رعاية الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الخليجي، جاء ذلك أثناء محادثات جمعته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش «قمة منظمة التعاون الإسلامي للعلوم والتكنولوجيا» في آستانا الكازاخستانية. ودعا عبد الحميد ماينمار إلى قبول عودة اللاجئين الروهينغا، مؤكداً أنه من الصعب على الدولة ذات الكثافة السكانية العالية كبنغلادش تقديم المعونة لعدد كبير من اللاجئين.
هذه الدعوات للتدخل الخارجي، سبقها في عام 2007 محاولات تدخل عسكري في ماينمار، والنتيجة كانت تصدياً روسياً صينياً بفيتو مزدوج على قرار تم التصويت عليه في مجلس الأمن في حينها، ما يعني الرفض الصيني القاطع لأي تدخل خارجي في ماينمار، لكن أيضاً لم يجرِ الوصول إلى البدائل الأفضل لحل الأزمة، وما يزيد الأمر تعقيداً في هذه المرحلة أيضاً، هو أن استصدار قرار من مجلس الأمن فيما يخص التدخل العسكري أو إقامة مناطق عازلة في ماينمار، يبدو بعيد المنال عن واشنطن وحلفائها، حيث يتخذ مجلس الأمن نتيجة توازن القوى داخله، موقفاً متوازناً نسبياً، إذ أدلى مندوب أثيوبيا لدى الأمم المتحدة، تيكيدا أليمو، «مترأس جلسات مجلس الأمن هذا الشهر»، بتصريحات صحفية عقب اجتماع مغلق بطلب من مصر لبحث الوضع غرب ماينمار، قال فيها: «أعربت الدول الأعضاء في مجلس الأمن عن قلقها العميق من الأوضاع في ولاية راخين، وأخذت بعين الاعتبار الهجمات على قوات الأمن في ماينمار يوم 25/آب، وما تلاها من أعمال عنف، أجبرت أكثر من 370 ألف شخص على ترك بيوتهم». كما دان الأمين العام للأمم المتحدة الهجمات التي ينفذها المسلحون في الروهينغا، معرباً في الوقت ذاته عن قلقه العميق من التقارير حول استهداف قوات الأمن الماينمارية المدنيين.
«القاعدة» يحشد
وما زاد الأمر تعقيداً، دخول «القاعدة» على خط الأزمة، ببيان صادر عن التنظيم الإرهابي نقلته وكالة «رويترز»، قالت فيه: أن «القاعدة»، دعت «المجاهدين» في بنغلادش والهند وباكستان والفلبين للتوجه إلى ماينمار لمساعدة الروهينغا بعد إجراء التدريبات والتحضيرات المطلوبة.
هذا البيان أخذته حكومة ماينمار على محمل الجد، وحذرت من خطر وقوع أعمال إرهابية في مختلف مدن البلاد، بعد أن هدد تنظيم «القاعدة» الإرهابي بتنفيذ عمليات على أراضيها، «انتقاماً لأقلية الروهينغا»، بحجة دعم المسلمين هناك.
في السياق ذاته، أصدر «جيش إنقاذ روهينغا أراكان»، المناهض للحكومة في إقليم راخين، بياناً رفض فيه أية مساعدة من منظمات متطرفة في الخارج، وجاء في البيان الذي نشرته هذه الميليشيا: «ليس لدينا أية علاقة مع تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، أو أية مجموعة إرهابية دولية، ولا نرغب في أن تتدخل هذه المجموعات في النزاع في أراكان».
لكن مع ذلك، ورغم توافق المواقف بين الحكومة وميليشيا «جيش إنقاذ روهينغا أراكان»، إلا أن خطر تدفق المتطرفين اتجاه ماينمار ما يزال قائماً، مستنداً إلى حالة العنف القائمة أصلاً في البلاد.
إخماد الحريق الآسيوي
الخطير في المرحلة الحالية هو: استمرار الأزمة وتفاقمها، وسط غياب شبه كامل لأية مبادرة عقلانية تنهي الأزمة، إذ أن جزءاً من أزمات تلك المنطقة موضوعية، طالما أن لا موارد ولا تنمية تكفي السكان، فهذا يعني أن احتمال انفجار بؤر أخرى في محيط الصين أمر وارد، وبالتالي فإن إقدام الصين وإصرارها مع حلفائها في «بريكس» على التعاون لإتمام مشروعها طريق الحرير الصيني الجديد، أو ما يسمى «حزام واحد.. طريق واحد»، وتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون لأهميته من ناحية التنسيق الأمني وبحث الأزمات، هي البدائل المتاحة حالياً أمام الصين في مواجهة المحاولات الغربية لزعزعة الاستقرار في تلك المنطقة، وتبقى الأبواب مفتوحة على الخيارات كافة، إيجاباً أو سلباً بالنسبة لشعوب تلك المنطقة، في مرحلة تاريخية تشهد التغيير في العالم بأكمله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828