القدس: حصرية الانتصار بيد الشعب الفلسطيني
يسجل أبناء الضفة الغربية انتصاراً جديداً للقضية الوطنية، بعد نجاحهم في إجبار الاحتلال الصهيوني على التراجع عن مجمل الإجراءات المتخذة في المسجد الأقصى وفي محيطه، بعد الأحداث التي شهدها يوم الرابع عشر من تموز الحالي، وما تلاه من تحركات شعبية واسعة شارك فيها عشرات الآلاف من مواطني القدس، وباقي مناطق الضفة الغربية...
بعد اعتصام المصلين خارج أبواب المسجد الأقصى بالآلاف، لما يقارب الأسبوعين، واعتكافهم عن الدخول إلى المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية التي نصبتها قوات شرطة الاحتلال، اضطرت قوات العدو إلى الرضوخ والتراجع عن هذه الإجراءات، خوفاً من احتمالات سيناريوهات التصعيد المتوقعة، وهو ما لا تخفيه وسائل إعلام العدو، على لسان محلليها السياسيين، أو في نقلها لما يدور من نقاشات داخل «اللجنة الأمنية المصغرة» التابعة لحكومة الاحتلال...
مجبراً لا مخيراً
حاول الكيان تجيير أحداث 14/تموز، لأهداف طالما عمل عليها، وهي تضييق الخناق على سكان القدس وتحديداً في المسجد الأقصى والأحياء المحيطة به، ومنعهم من أحد حقوقهم المتمثلة بإقامة شعائرهم الدينية، وحاول ذلك جاهداً بإقامة البوابات الإلكترونية، والممرات الحديدية، ونصب أعمدة الكاميرات على مداخل المسجد، لكنه اضطر إلى إزالتها تباعاً رغم محاولات المناورة، في مسألة المفاضلة بين هذه الإجراءات، أي: القبول بإزالة البوابات الإلكترونية، وإبقاء الممرات الحديدية والكاميرات، لكن الحقيقة أن قبول المقدسيين وباقي أبناء الضفة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 14/تموز، ارتبط بإزالة كل العوائق دون استثناء، وهو ما حدث فعلاً عصر يوم الخميس الماضي 27/تموز بعد تأكد «اللجنة الهندسية» التابعة للأوقاف من إزالة العوائق كافة دون استثناء، حتى أن تفاصيل أخرى أرداها المعتصمون، انتزعوها انتزاعاً بالأيدي في اللحظات الأخيرة، أثناء دخولهم لباحات المسجد الأقصى، الحديث هنا عن مواجهات اندلعت بين الفلسطينيين وشرطة العدو، التي رفضت في البداية فتح باب حطة، لكنها رضخت للضغوط في نهاية المطاف.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، أن 100 ألف مواطن من القدس وخارجها دخلوا المسجد الأقصى لأداء صلاة العصر، بالهتافات والأعلام الفلسطينية، وهو ما لم تتحمله عنصرية الشرطة المنسحبة من محيط المسجد الأقصى أثناء دخول المواطنين عبر بوابات المسجد، فاندلعت اشتباكات عنيفة، أسفرت عن جرح قرابة 100 مواطن فلسطيني، تنوعت الإصابات ما بين اعتداءات بالضرب، أدت إلى كسور وإصابات مطاط، وإصابات بغاز الفلفل، وبقنابل الصوت، بحسب ما ذكرته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية أن الاشتباكات استمرت لأكثر من 90 دقيقة، استقدمت فيها قوات الاحتلال أعداداً ضخمة من قواتها، تمركزت عند بوابات المسجد الأقصى ومحيطه والمدينة القديمة.
دروس الواقع الجديد
في كل معركة نضالية يخوضها الشعب الفلسطيني، تتكشف مواقف وسياسات أطراف معنية، أو مدعية الاعتناء بحقوق الشعب الفلسطيني، لكن يبقى الثابت الوحيد هو تسجيل الانتصارات بأسماء المناضلين في الشارع وحدهم، ولا أحد سواهم، والتشديد هنا لما ظهر على هوامش الأحداث الأخيرة من مواقف سياسية، نذكر منها مثالاً موقف النظام السعودي، بعد أن انطلقت حملة إعلامية واسعة للقول بأن «جهود الملك سلمان بن عبد العزيز هي من فتحت بوابات الأقصى»، فـ«العربية نت»، عنونت «اتصالات الملك سلمان بزعماء العالم تنجح بفتح الأقصى»، إلى جانب إطلاق هاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي حمل اسم «الأقصى في قلب سلمان»، وجاء في بيان للديوان الملكي السعودي ونشرته وكالة «واس»، الخميس 27/تموز، «على خلفية الأحداث التي حصلت في المسجد الأقصى الشريف، خلال الفترة الماضية، فقد أجرى خادم الحرمين الشريفين خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالعديد من زعماء دول العالم، كما أجرت الممكلة العربية السعودية، اتصالات بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية،لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى، في وجه المسلمين وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم، وإلغاء القيود المفروضة على الدخول للمسجد».
المؤسف أنه لم يصل أي أحد إلى تفاصيل هذه «الجهود السعودية» المفترضة، ورغم الإيمان ببطلان هذا الادعاء، والتأكيد ألف مرة على أن سواعد المناضلين في الشارع الفلسطيني، هي من صنعت الانتصار، غير أن المهم والجدير بالقول في هذا السياق، بأنه من الوقاحة بمكان أن تحاول السعودية أو غيرها استلاب الإنجاز الوطني الفلسطيني، والتغطية عليه بحملات دعائية كاذبة، لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
وليس بعيداً عن السعودية - وتأكيداً على الصناعة الوطنية لهذا التثمير الفلسطيني- من الضروري الإضاءة على ما دار من تنسيق بين الأردن و«إسرائيل»، باعتبار الأولى «وصية على المسجد الأقصى»، فالجانب الأردني استطاع أن يتفق مع «الإسرائيليين» على إزالة البوابات الإلكترونية فقط، والإبقاء على باقي العوائق من كاميرات وحواجز حديدية، ولم يتطرق إلى مسألة الأبواب المسموح المرور منها، لكن الشارع المنتفض وحده استطاع وأد هذا الاتفاق ونزع كامل المعوقات، وليس أجزاء منها، وهو ما يؤكد فاعلية ووحدانية الشارع الفلسطيني في قدرته على انتزاع هذه الحقوق.
لماذا التأكيد على شعبية هذا الحراك؟
المسألة هنا متعلقة بعجز المعنيين السياسيين في الداخل الفلسطيني وخارجه، عن مواكبة التطور الجاري في الحالة النضالية الشعبية بالمواقف والأهداف، فالسقف المطلوب سياسياً دائماً ما يكون أدنى من سقف تطلعات الشارع، ضف إلى ذلك مسألة الثقة المكتسبة شعبياً في الأشهر الأخيرة، بالقدرة على تحقيق المطالب، «قضية الأسرى»، مثالاً.
وبالتالي، فإن محاولات تعويم مواقف السلطة الفلسطينية، التي أعلنت إيقاف الاتصالات مع الجانب «الإسرائيلي»، وهي ليست المرة الأولى التي تعلنها السلطة الفلسطينية، تبقى رهينة «التكتيك السياسي»، لا أكثر، أو الإشادة بالموقف الأردني، أو ما ذكرناه حول الحملة الإعلامية السعودية، كلها تعويمات في وجه الشارع المنتفض.
المشكلة عند هذه الأطراف، هي أن الانتفاضة الثالثة بشكلها الجديد، لم تقف عند الهبة الشعبية، ولا عند قضية الأسرى، ولا مؤخراً في قضية المسجد الأقصى، طالما أن هنالك حقوق واجبة التحصيل، وبالتالي، استمرار الحراك باتجاه الانتفاضة الثالثة بشكلها الجديد، يعني المزيد من الاختبارات لهذه الأطراف، أمام محكمة الشعب الفلسطيني، الذي بات يضع مواقف السياسيين جانباً، طالما أنه قادر على إنجازات الانتصارات، بالاستفادة من تجاربه الخاصة، المتزايدة في المرحلة الحالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 821