الحراك الفلسطيني... لاستلام زمام المبادرة
أغلب ما يذهب إليه المناضلون الفلسطينيون من أشكال المقاومة المتعددة، في الضفة الغربية وغزة وسجون الاحتلال والقدس، بات حالة لها قواسمها المشتركة وتأثيراتها المتراكمة على مسار القضية الفلسطينية، وهي أبعد بكثير من دعاية العدو حول أسباب كل عملية، بهدف تجزئتها وتحويلها إلى «حالات فردية» بينها فواصل زمانية ومكانية...
ضمن السلسلة المستمرة من نضالات الشعب الفلسطيني، تظهر عملية المسجد الأقصى الجمعة 14/تموز الحالي، كعملية نوعية بمكانها وزمانها، وتأثيرها على المزاج الشعبي المنتفض في الضفة، وحتى على الفصائل السياسية، التي يبدو أنها تبتعد أكثر فأكثر عن نشاط وفاعلية الشباب الفلسطيني، بعد كل عملية من هذا النوع، وإن كانت مضطرة، بجزئها الأكبر، على اللحاق الإعلامي على الأقل بحراك الشارع.
عملية مباركة شعبياً
قام ثلاثةٌ شبان من مدينة أم الفحم، بتنفيذ العملية قرب باب الأسباط، وأسفرت عن مقتل شرطيين وجرح آخر، ثم استشهاد الشبان الثلاثة. وتبع العملية اعتقال لخطيب المسجد الأقصى، محمد حسين، قبل أن تفرج عنه في وقت لاحق بكفالة مالية، وتبدأ حملة إجراءاتها التعسفية بحق السكان الفلسطينيين من حملات اعتقال، وإغلاق أبواب المسجد الأقصى بوجه المصلين استمر عدة أيام حتى الاثنين الماضي، وسط إجراءات مشددة على أبواب المسجد، تمثلت بنصب «أبواب إلكترونية» للتفتيش، إضافة إلى التفتيش الدقيق للمصلين.
لاقت هذه الإجراءات غضباً شعبياً، وردوداً تمثلت بدعوة فعاليات شعبية وشبابية، إلى اعتبار يوم الجمعة الماضي يوم غضب فلسطيني نصرة للأقصى والقدس المحتلة، ورفضاً للبوابات الإلكترونية، والإجراءات الأمنية المشددة، التي يفرضها الاحتلال الصهيوني منذ يوم الأحد الماضي في مدينة القدس القديمة والحرم القدسي، كما دعت مساجد القدس فجر الأربعاء عبر مكبرات الصوت، للنفير إلى الأقصى والاعتصام قبالة بوابات المسجد.
تبعات الحادثة امتدت شعبياً، إلى كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، بمسيرات حاشدة ودعوات مستمرة للوقوف بوجه إجراءات كيان الاحتلال. وهنا، يمكن البحث أكثر في طبيعة المزاج المتشكل شعبياً حول الأحداث التي تشهدها الأراضي المحتلة في السنتين الأخيرتين على أقل تقدير، انطلاقاً من «الهبة الشعبية»، مروراً بحوادث الطعن والدهس، وحالة الشهيد باسل الأعرج ورفاقه كحالة مستجدة في الحياة السياسية المقاومة، وليس أخيراً إضراب الأسرى في سجون الاحتلال قبل أسابيع قليلة.
عن جذور النضال الحية
من الضروري فهم عملية المسجد الأقصى الأخيرة ضمن هذه السلسلة الطويلة من الأعمال ذات الطابع الشعبي بالدرجة الأولى، والتي لها هدف نهائي واحد، وهو حل القضية الفلسطينية حلاً ناجزاً يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، كل الحقوق، بغض النظر عن القيادات الفلسطينية والخلافات بين فصائلها.
وعليه، يمكن التنبؤ باستمرار الأعمال النضالية بصبغتها الشعبية تحديداً، لعدة أسباب، العنوان العريض لها هو: استعصاء حل القضية الفلسطينية حتى الآن، وفي تفصيلات هذا العنوان العريض، يمكن القول: إن جمود الفضاء السياسي التقليدي عن مواكبة الأحداث من «الهبة»، حتى عملية المسجد الأقصى، هذا الجمود أو النمطية في التعاطي مع الشارع الفلسطيني، بالتنديد أو دعوات الاعتصام، لم يعد يتوازى مع تقدم الحركة الشعبية وفهمها لأحداث الصدام المتتالية مع العدو في السنوات الأخيرة، وأكثر من ذلك، إذا ما نظرنا إلى حال السلطة الفلسطينية في عملية الأقصى الأخيرة مثالاً، حيث أصدرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية «وفا» الرسمية، يوم الجمعة في أعقاب العملية المذكورة، الخبر التالي نصه: «جرى يوم الجمعة اتصال هاتفي بين رئيس دولة فلسطين محمود عباس و«رئيس الوزراء الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، حيث عبر الرئيس محمود عباس عن رفضه الشديد وإدانة للحادث الذي جرى في المسجد الأقصى المبارك، كما أكد رفضه لأية أحداث عنف من أية جهة كانت، وخاصة في دور العبادة، كما طالب الرئيس بإلغاء الإجراءات الإسرائيلية بإغلاق المسجد الأقصى المبارك أمام المصلين... ».
هنا، لا حرج للسلطة بإدانة العملية، والاكتفاء بمطالبة سلطات الاحتلال بإلغاء إجراءات إغلاق المسجد الأقصى، وعلى لسان الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، فإن رئيس السلطة «محمود عباس»، يجري سلسلة اتصالات عربية ودولية لمنع تدهور الأوضاع «!». تكررت هذه الصورة إلى حد كبير في جميع مواجهات الشارع الفلسطيني مع سلطات الاحتلال، وربما باستمرار حالة المواجهة هذه، نقترب من مرحلة تنقطع فيها «شعرة معاوية» تماماً بين الشارع والسلطة.
دفعاً باتجاه الانتفاضة الثالثة
السبب الآخر الموجب لاستمرار حركة الشارع تصاعداً هو قناعة الشارع الفلسطيني بجدوى المواجهة المباشرة مع سلطات الاحتلال، كما حدث في حالة إضراب الأسرى بقدرتهم على تحصيل أهدافهم التي أعلنوها بداية الإضراب، أو حتى في عجز سلطات الاحتلال عن ضبط الأوضاع الأمنية بالطريقة التي اعتادت عليها سابقاً، بالترهيب والاعتقال الذي بات يطال الضفة الغربية بشكل كامل، حتى أنهم اعتادوا وفهموا ردود الفعل الصهيونية التي تؤكد الوضع الحرج وضيق الخيارات لسلطات الاحتلال في مواجهتها مع الحركة الشعبية، والمعبر عنها مثالاً بهيستريا تصريحات وزير «الأمن الداخلي» في حكومة الاحتلال، غلعاد إردان، يوم الأحد 16/تموز، التي قال فيها: أن «المسجد الأقصى يقع «تحت السيادة الإسرائيلية»، وإن موقف الدول الأخرى ليس مهماً، وإذا تقرر أن خطوة معينة لها أهمية معينة، فسيتم اتخاذها». وفي تصريحه لإذاعة جيش الاحتلال، قال إردان: إن ««إسرائيل» سيدة المكان ولسنا بحاجة بتوصيات من أحد دون النظر إلى آراء الآخرين».
ضف إلى ذلك أن استمرار حركة الشارع بشكل متواتر وتصعيدي، أعطى تجربة ملموسة للحركة الشعبية في الظروف الحالية، بمعنى أن الشارع الفلسطيني بعيداً عن البينة السياسية التقليدية، قد بدأ يفهم ويحلل بشكل يومي ردود الأفعال والمواقف للقوى السياسية داخلياً، وردات الفعل الإقليمية والدولية، في كل قضية لها علاقة بالقضية الفلسطينية، وعليه، من المؤكد أن هذا التحليل والفهم لا بد أن يلمس التخبط الذي يعيشه المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، وبالتالي الكيان الصهيوني، باعتباره قاعدة متقدمة لهذا المعسكر في المنطقة، وهو ما يعطي دفعاً اتجاه استمرار تجربة «الانتفاضة الثالثة» بشكلها الجديد بالاستفادة من تاريخ الحركة النضالية الممتدة لأكثر سبعين عاماً، وضمن إحداثيات داخلية وإقليمية ودولية جديدة، أساسها إعادة إنتاج البرنامج الوطني، بما يخدم متطلبات القضية الفلسطينية مرحلياً واستراتيجياً، من حيث الهدف النهائي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 820