انهيار البترودولار: الإمبراطور عارياً..!
مالك موصللي مالك موصللي

انهيار البترودولار: الإمبراطور عارياً..!

بدأت أبحاث المحلل الأمريكي، جيري روبنسون، حول نظام البترودولار بعد أحداث 11 أيلول لعام 2001 مباشرة. حيث سعى، مثل معظم الأمريكيين، للحصول على إجابات حول علاقة الولايات المتحدة المعقدة مع دول شرق المتوسط. فيما يلي، نقدِّم قراءة في كتاب «إفلاس دولتنا - 2012» لروبنسون.


يقول روبنسون: «منذ نشر بحثي عن نظام البترودولار في سلسلة من أربعة أجزاء، فقد تمت قراءة المقالات وتحميلها ملايين المرات، وبحثي حول هذا الموضوع قد اعتمد في جميع أنحاء العالم ومن قبل المؤسسات المختلفة - وخاصة الجامعات – التي دعتني لإلقاء محاضرات حول هذا الموضوع المعقد. حتى بعض كبار المفكرين الماليين والمستثمرين في العالم اتصلوا بي خلال السنوات الماضية مباشرة يطلبون مساعدتي لفهم أفضل لهذا النظام الغريب الذي يسند البنية التحتية الاقتصادية لدينا بأكملها».
أولئك الذين قرؤوا سلسلة المقالات المكونة من أربعة أجزاء حول «الأصول الخبيثة وتطور نظام البترودولار الأمريكي» يعرفون أهمية مراقبة المملكة العربية السعودية والدول الخليجية المقربة منها. وعلى كل حال، فإن مستقبل نظام البترودولار - وبالتالي وضع الاحتياطي العالمي البارز للدولار الأمريكي - يتوقف على المشاعر الموالية للغرب المستمرة في دول الخليج الغنية بالنفط، ولا سيما المملكة السعودية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن تقريراً مثيراً للقلق صدر مؤخراً يؤكد أن المملكة العربية السعودية، بفضل العجز المتزايد في الميزانية الذي تفاقم بسبب انخفاض أسعار النفط والحرب العدوانية المكلفة في اليمن، تسحب بعض الاحتياطيات.
عرض الخطط والتسعير
وفقاً لتقرير من صحيفة «فايننشال تايمز» والبيانات المتوفرة من البنك المركزي السعودي «مؤسسة النقد العربي السعودي»، تم نقل أكثر من 70 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية من الأصول العالمية منذ العام الماضي من أجل تمويل عجز الموازنة المتزايد في المملكة.
واستفادت المؤسسات لسنوات من ارتفاع الأصول الخاضعة لدول الخليج الغنية بالنفط، ولكنها الآن تشعر بالقلق بعد انهيار أسعار النفط في العام الماضي. وقال نايجل سيليتو، الرئيس التنفيذي لشركة استخبارات سوق الخدمات المالية «إنزيت ديسكفري»، أن مديري الصناديق يقدرون أن شركة «سما» قد سحبت 50 - 70 مليار دولار خلال 6 أشهر.
وقد شهدت إيرادات الحكومة السعودية انخفاضاً مطرداً منذ العام 2013. ومما يسيء إلى الوضع الاقتصادي التصنيف الائتماني السلبي للبلاد، كما أن محاولة الربط المستمرة للريال السعودي بالدولار، لا تجعل الأمور أفضل. وعلى الرغم من تراجع عائدات النفط، فإن النظام يرفض خفض إنفاقه الفخم على العائلة المالكة والأشغال العامة والحرب العدوانية المستمرة ضد اليمن المجاور. ويقال إن السعوديين يجلسون على مئات المليارات من دولارات البترول. ومع ذلك، فإن الوضع النقدي في البلاد على ما يبدو أصعب مما يظن البعض.
ووفقاً لتقديرات الولايات المتحدة، توقعت أن يحقق أعضاء منظمة أوبك (دون إيران) 380 مليار دولار من عائدات النفط في عام 2015، مقارنة ب 730 مليار دولار في عام 2014. وهذا يمثل أكبر انخفاض في عائدات أوبك في التاريخ!
ومرة أخرى، وفقاً لـ«فايننشال تايمز»: يقول جون سفاكياناكيس، مدير منطقة الخليج في أشمور، مدير الصندوق: «الواقع يضرب البيت، والضرورة تضرب البيت أيضاً»، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى سعر برميل يبلغ 105 دولارات للبرميل لتلبية متطلبات الإنفاق المخطط لها، ولكن متوسط ​​سعر السنة يقدر بـ58 دولاراً للبرميل. وأضاف سفاكياناكيس: «إذا استمرت الحكومة في العمل كالمعتاد، فإنها ستستنفد الاحتياطيات بشكل أسرع من المتوقع بحلول نهاية عام 2018 أو أوائل عام 2019».
ببساطة، المملكة العربية السعودية هي «جمهورية موز» على حافة الكارثة المالية... ويبدو أن العالم كله يتجاهل ذلك.
العودة إلى الجمال؟
جاء صعود المملكة السعودية اقتصادياً نتيجة لإمدادات النفط الهائلة وعلاقتها الوطيدة مع واشنطن. لكن الإنفاق الزائد المتهور للنظام السعودي والقيادة القمعية هما الوصفة المناسبة لحدوث الكارثة، كما وتزداد محنة البلاد سوءاً بسبب نموها السكاني المتفجر ومجموع العمل الوطني الذي يفتقر إلى المهارات الوظيفية ذات الصلة من أجل التنافس في الاقتصاد العالمي المتغير.
واليوم، تشكل عائدات النفط ما يقرب من 93٪ من الدخل السنوي للمملكة العربية السعودية. ولا يدفع المواطنون السعوديون أية ضريبة على دخلهم أو فوائدهم أو أسهمهم، كما أن المملكة تدعم بشدة البنزين للجمهور ليصل سعره إلى 45 سنتاً للغالون الواحد. فيما بدأت «الصدقات» الحكومية بدأت بالفعل تكبر في أعقاب ارتفاع موجة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، حيث حاول النظام السعودي تهدئة مواطنيه ومنع الاحتجاجات والانتفاضات المشروعة.
عندما تجف خزائن المملكة في نهاية المطاف، سوف تتحول إلى برميل بارود. وقد ترددت شائعات طويلة (ووردت في وقت لاحق من قبل ويكيليكس) أن الاحتياطيات النفطية السعودية مبالغ فيها بنسبة تصل إلى 40٪، كما أن التحركات المالية التي قامت بها السعودية تعطي انطباعاً عن بلد يسير ​​بشكل خطير نقدياً نحو الهاوية.
إذا اتضح أن الإمبراطور ليس لديه ملابس، فإن الأمور عندها يمكن أن تسوء بسرعة أكبر. يجب على المواطنين، الذين يعتمد معظمهم اقتصادياً على النظام، أن يدققوا الحسابات القومية. (إذا كان معظم المواطنين السعوديين يطلعون على أحدث إصدارات ويكيليكس، التي تتحدث عن برنامج الرفاه الملكي السعودي الفاضح، فإن ذلك سيكون كافياً للتسبب في الإطاحة بالنظام الحالي). ولكن أسلوب القيادة المشدد في الرياض يجعل الشفافية المالية مستحيلة تقريباً.
إذا كانت الحكومة السعودية تواجه مشكلة مالية أعمق من مجرد تكهنات. وهي حكومة البلد الذي كان عملياً العمود الفقري لنظام البترودولار، فإن المسألة هامة. كل شيء يذكرنا بمثل سعودي قديم (سوف نعيد صياغته): «أبي ركب الجمل. أنا أقود سيارة. ابني يطير بطائرة نفاثة. ولكن ابنه سوف يعود لركوب الجمل».
مسمار في نعش الدولار
أسوأ سيناريو للاقتصاد الأميركي سيكون ظهور نظام مناهض للغرب بدلاً من النظام الدموي الغربي الحالي إذا أدت أزمة اقتصادية في السعودية إلى ذلك. وهذا يمكن أن يعزز فرص الصين وروسيا الفرصة لتحل محل الولايات المتحدة في الخليج، ويمكن أن يكون المسمار الأخير في نعش الطلب العالمي على الدولار. هذه مجرد تكهنات وملاحظات في الوقت الحاضر. لكن الأمور يمكن أن تتدهور سريعاً إذا اكتشف العالم قريباً أن الإمبراطور السعودي ليس لديه ملابس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
815