«رؤية 2030»: النفق السعودي المظلم... نهايته مسدودة!

«رؤية 2030»: النفق السعودي المظلم... نهايته مسدودة!

تستمر السعودية بتخطيط ما أطلقت عليه «رؤية المملكة 2030»، وفق «نموذج حوكمة» أساساته الأربعة - بحسب الموقع الرسمي لهذه الرؤية- هي: «برنامج استراتيجية شركة أرامكو، برنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات، برنامج الدعم، برنامج التحول الوطني2030»، إضافة إلى برامج أخرى رافدة كبرنامج تحقيق التوازن المالي، وبرنامج «التحول الوطني 2020»...

 

نشر الحساب الرسمي لرؤية المملكة 2030، مؤخراً معلومات تفصيلية حول البرامج العشرة الاستراتيجية الجديدة التي أطلقها «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» بهدف تحقيق «رؤية الوطن المستقبلية»، على أن تكون هذه البرامج مكملة لبرنامجي التحول الوطني والتوازن المالي 2020...

في إعادة قراءة لمضامين الرؤية المعلنة العام الماضي، تبدو البنود العشرة الصادرة مؤخراً إعادة اجترار لما جاء في نص الرؤية المطوَّل، والتي تركز بشكل رئيس على طريقة تحصيل إيرادات مالية لتعويض النقص الحاصل نتيجة الفرق المتزايد بين المداخيل والمدفوعات، منذ بدايات العقد الأخير من القرن الماضي بحسب الإحصائيات الحكومية، والانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ حزيران/2014...

«ماكينزي منقذ الملكية»!

أنكرت شركة «ماكينزي» الأمريكية، المختصة في مجال الاستشارات والأعمال، علاقتها بـ«رؤية المملكة 2030»، في الوقت الذي أكدتها مصادر أخرى، منها تصريحات وكيل وزارة المالية السابق، عبد العزيز الدخيل، إضافة إلى مقالات لصحفيين خليجيين، وللعلم، فإن شركة «ماكينزي» أدت باستشاراتها إلى إفلاس شركات كبرى عدة في العالم، منها الخطوط الجوية السويسرية، وشركة «إنرون»، إحدى أكبر شركات الطاقة في الولايات المتحدة، فالرئيس التنفيذي لشركة إنرون، في حينها، جيف سكيلنج، كان أحد خريجي «ماكينزي».

يضاف إلى سجل «ماكينزي» الفشل في تخفيف وطأة الأزمة التي ألمت بـ«جنرال موتورز»، و«بنك مورغان» الأمريكي، وغيرها من تداعيات «الأزمة المالية 2008»، رغم العلاقات الوطيدة مع عمالقة المصارف الدولية منذ نهايات الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، يمكن القول: إن الأزمة في حينه كانت لتنفجر سواء نجحت «ماكينزي» في توجيهاتها أم لا، لكن الحديث هنا يدور فقط عن تعمية الشركة المذكورة عن احتمالات الانفجار هذه، والتي جاءت كالصدمة على الشركات الكبرى في الولايات المتحدة. كما أن «ماكينزي»، المشبوهة هذه، عملت على خطط «إصلاحية» في دول عربية عدة كمصر واليمن، وليبيا بعد غزو الناتو.

هنا لم تخرج السعودية عن النمط المعتاد، من استجلاب لوصفات غربية جاهزة، لإنقاذ اقتصادها المتهاوي، وهو ما يبين بالعمق أزمة البنية السياسية السعودية، التي اعتادت شراء كل شيء بالمال حتى حلول مشاكلها الاقتصادية- الاجتماعية العميقة!

وتبين من جهة أخرى مخاوفها من توسيع قاعدة المشاركة من قبل القوى المجتمعية في بناء رؤية وطنية لمستقبل بلادهم، وربما تكون هذه المشكلة، «سعودة السلطة»، هي الفيصل لا في نجاح رؤية التغيير فحسب، بل بإمكانية الحفاظ على هذه الدولة كوحدة سياسية اقتصادية بالنظر إلى عمق أزماتها على كافة الأصعدة، علاوة على وضعها الإقليمي المتأزم.

الوصايا العشر التقليدية!

يصف الاقتصاديون والمستشارون الدائرون في فلك صندوق النقد الدولي «رؤية المملكة 2030»، بالخطة الواعدة، مشيرين إلى أن الوقت مناسب الآن لإنهاء دول الخليج دعمها لأسعار الوقود، مؤكدين على أن عملية التصحيح المالي في دول الخليج تتم من خلال تقليص النفقات، خاصة في مجالي دعم الوقود والطاقة، من جهة، والتقليص التدريجي لكلفة القطاع العام من جهة أخرى، كما يمكن لخفض الإنفاق أن يحرر رؤوس أموال لاستعمالها بمشاريع بنى تحتية أو لدعم تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

هذه التشجيعات «التقليدية» من قبل صندوق النقد الدولي، يمكن رؤيتها بجلاء في البنود التنفيذية لـ«رؤية المملكة 2030»، ففي البند الأول المعنون: «برنامج التخصيص»، يعرف المشرعون هذا البرنامج بأنه «برنامج لتعزيز دور القطاع الخاص، في تقديم الخدمات، وإتاحة الأصول الحكومية أمامه، مما يحسن من جودة الخدمات بشكل عام، مثل: الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية، وتقليل تكاليفها، ويعيد تركيز الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي المنوط بها والمتوافق مع توجه الرؤية».

هنا يظهر التحديد أكثر فأكثر حول نوايا الخصخصة المطلوبة في الرؤية: «قطاعات الصحة والتعليم ومشاريع البنى التحتية»، وقبلها خصخصة شركة «أرامكو» عملاق الصناعة النفطية السعودية.

حول الشراكات الاستراتيجية

برنامج «الشراكات الاستراتيجية» «البند الثاني من تفصيلات الرؤية»، يشمل إقامة علاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة من خلال تسهيل تنقل الناس والبضائع ورؤوس الأموال. لكن بالعودة قليلاً إلى آخر جولة للملك السعودي، إلى دول شرق آسيا - مثالاً- كانت النتائج أقل بكثير مما تطمح إليه المملكة في علاقات شراكات استراتيجية بالمعنى الاقتصادي المستدام، لأسباب لها علاقة بالبنية القانونية والإدارية والبيئة الاستثمارية داخل المملكة من جهة، والوضع المتوتر في المنطقة والتي للسعودية دورٌ رئيس فيه.

بالإضافة إلى أن منطق الشراكات الإقليمية يرتكز على حالة إقليمية جديدة تتشكل، من المؤكد أنها ستشهد استقطاباتٍ حادة بين الدول النفوذ الإقليمي مثل: مصر وتركيا وإيران، لكن هذا الاستقطاب «الاعتيادي» إن أمكن القول، لا يرقى إلى مستوى التهديد بالفوضى أو الأعمال العسكرية المباشرة، كما تفعل السعودية باستمرار.

هذه «النزعة الحربجية» سياسياً وعسكرياً، جزء منها مرتبط بتقديم صكوك الطاعة لقوى متنفذة في الغرب والولايات المتحدة، ضمن إطار الصراع القائم حول كرسي الملكية السعودية، لكنها لا تدعم الاندماج السعودي في منظومة إقليمية متوازنة، كشرط أساسي لضمان مبدأ «الشراكات الاستراتيجية»، وتحويل المملكة إلى قبلة للمستثمرين أفراداً ودولاً.

من هنا، يمكن القول: أن أزمة السعودية ليست «أزمة إدارة اقتصاد»، كما يروج لها أصحاب الرؤية، بل هي أزمة بنية اقتصادية اجتماعية سياسية وامتداداتها الإقليمية والدولية، وتحتاج إلى «إجراءات أليمة»، فيما لو أرادت البنية السياسية إخراج السعودية من دائرة الخطر، وهو ما لم يجد طريقه نحو التنفيذ، مما يضع السعودية جدياً بمواجهة أزمة شاملة، هي الأكبر في تاريخها، وربما تنتهي بطريقة لا تخطر على بال مهندسي السياسات الاقتصادية والمالية في السعودية، البلد الأكثر قرباً من مشهد الفوضى.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
809