الأزمة السعودية أكبر من أن تحلّها «الرؤية»!

الأزمة السعودية أكبر من أن تحلّها «الرؤية»!

ضمن محاولات التكيف الأولية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها في الأعوام الأخيرة، جرى إقرار «رؤية المملكة 2030» في نيسان من العام الماضي، حيث تضمنت الرؤية الصادرة عن «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية» - الذي يترأسه محمد بن سلمان- الخطوط العريضة للتوجهات الاقتصادية- الاجتماعية الواجب اعتمادها للوصول إلى الأهداف المفترضة المطلوبة في عام 2030.

 

يقول المسؤولون السعوديون: إن «الإصلاحات المبتغاة من الخطة قد بدأت فعلاً»، وركيزتها الأساسية ستكون تنويع مصادر الدخل، مع انخفاض أسعار النفط عالمياً، منذ حزيران/2014، التي ربما تكون سبباً رئيساً للأزمة، إلى جانب عوامل ليست أقل أهميةً، إذا ما نظرنا إلى تكاليف عملية «عاصفة الحزم»، وصفقات السلاح الهائلة مع واشنطن ولندن، وتمويل كبير للحرب في سورية وحتى ليبيا، وذلك كله في السنوات القليلة الماضية فقط.

إعادة هيكلة إلزامية ولكن

اعتمدت السعودية في 90% من مصادر دخلها على قطاع النفط والصناعات التحويلية المرتبطة بهذا القطاع، وهذا ما ساعد عملياً على اكتناز احتياطيات نقدية هائلة، تقدَّر بأكثر من 600 مليار دولار، إلا أن تقريراً لصندوق النقد الدولي توقَّع نفاد الاحتياطيات السعودية في غضون أربع سنوات فقط، إذا ما استمرت أزمة الموارد التي تعيشها السعودية. وعليه، فإن إطلاق «رؤية المملكة 2030» - قبل أن نخوض في إمكانيات تطبيقه- يعدُّ ناقوس الخطر الذي أطلقته المملكة لتفادي هزات داخلية من الصعب التحكم بنتائجها سياسياً واجتماعياً.

للوهلة الأولى، بدت الرؤية المطروحة صالحةً لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بالنظر إلى خطوطها العامة، لكن بعد الشروع بالخطوات الأولى، تبيَّن عملياً صعوبة التنفيذ على أرضية سياسية واجتماعية، يجري غضّ الطرف عن تأثيراتها عند الحديث في مشروع «الإصلاح» المنشود، وربما تكون محاولات حلّ أزمة البطالة التي جرت مؤخراً واحدةً من الإشارات المبكرة على الطريق الوعر الذي تسير ضمنه الخطة.

أزمة البطالة السعودية

ضمن الأهداف الاجتماعية للسعودية حتى عام 2030، يتكرَّر الحديث عن توفير فرص عمل للشباب، وتخفيض نسب البطالة إلى حدودها الدنيا، على أن تصل إلى 9% في العام 2030، مع العلم أن نسبة البطالة في السعودية تصل إلى 12% وفق المصادر الحكومية، وإلى 25% وفق مصادر غير حكومية.

تمثّل الحل الذي اتبعته المملكة في «سنوات الرفاه» في استيعاب العمالة السعودية ضمن قطاعات الدولة، وفي مشاريع حكومية تسمح بإقامتها الفوائض المالية القادمة من قطاع النفط، ومن جهة أخرى، عملت سياسات الضمان الاجتماعي، والدعم الحكومي للمواد الأساسية على تخفيض طلبات العمل، كمسكنات عالية الأثر اعتاد عليها المجتمع السعودي، كبدائل لضرورة العمل.

مؤخراً، انتهجت المملكة سياسات تقشف شملت تخفيض الدعم على المواد الأساسية والمشتقات النفطية بنسبٍ تراوحت بين «20-50»%، إضافة إلى تخفيض الإنفاق على المشاريع الحكومية التي كانت تستوعب جزءاً من العمالة السعودية، وبالتالي، فإن العمل أصبح لزاماً على شرائح اجتماعية واسعة كانت - حتى الأمس القريب- تزدري قطاعات واسعة من الأعمال وتتركها للعمالة الوافدة.

هذه السياسات التي قامت بها المملكة حاولت تفادي آثارها الاجتماعية بخطة للاستعاضة عن العمالة الأجنبية الوافدة بالعمالة المحلية، ومن بين هذه الإجراءات، تشديد القيود على العمال الأجانب برفع قيمة الضريبة إلى 4 أضعاف القيمة الحالية، لتصل إلى 100 دولار، على كل شخص، وذلك اعتباراً من صيف العام الحالي، ويذكر أن عدد الأجانب في السعودية بين عامل ومقيم يقدر بحوالي 10 مليون شخص، أغلبيتهم من الهند والفلبين وباكستان ومصر ولبنان.

هذه الخطوة وغيرها من القيود التي تستطيع المملكة تطبيقها من بوابة القوانين الإدارية، تبدو سهلة الإقرار قانونياً، لكن تعبئة الفراغ المحتمل للعمال الأجانب بعمالة محلية ليس تبديلاً مكانياً فحسب، حيث يشتكي العديد من أصحاب الشركات الخاصة في السعودية من قلة الكفاءة وعدم الالتزام للعمالة المحلية، وهو ما كان مبرراً في ظل عدم الحاجة القصوى للعمل بوجود الضمانات الاجتماعية، ونمط الرفاه الذي ألفه مواطنو المملكة سابقاً، وما يزيد الأمر تعقيداً هو نية الحكومة وفق الخطة الموضوعة إلى زيادة مستوى مساهمة القطاع الخاص من 40% في الوقت الحالي إلى 65% قبل حلول العام 2030، وبالتالي، فإن متطلبات التشغيل المفترضة في هذه الحالة تستلزم نوعاً محدداً من الخبرات والكفاءات، إذا ما تحدثنا عن قطاعات إنتاجية، لم يجرِ العمل على تطويرها بالقدر المطلوب بالنظر إلى الاعتماد على العمالة الأجنبية.

كما أن الاستغناء عن أجزاء كبيرة من العمالة الأجنبية في قطاعات الخدمات والبناء، لا يعني سهولة استقدام العمالة المحلية، لتحل محلها، من حيث النظرة الاجتماعية لهذا النوع من الأعمال.

هذه الإشارات الأولى ذات المنشأ الاقتصادي الاجتماعي القائم على نمط محدد من علاقات الإنتاج في المملكة، تعززها إلى حد بعيد البنية الإدارية البيروقراطية، فيما يخص المصادقة على طلبات المشاريع المتوسطة، فرغم اعتماد مبدأ النافذة الواحدة، لكن المستثمرين يشتكون من كثرة الأوراق اللازمة لإطلاق مشروع من هذا النوع، كما يظهر الفساد وصعوبة محاسبته، في ظل المحسوبيات السياسية «الملكية» المتغلغلة ضمن الهيئات الاقتصادية والمحمية عملياً بنظام أوتوقراطي، لا يسمح برقابة مجتمعية وقانونية على مؤسسات الدولة.

البحث عن الاستثمارات الخارجية

عطفاً على تعقيدات أزمة البطالة، وما سينتج عنها، إضافةً إلى عدم وجود بينة قانونية مهيأة لاجتذاب الاستثمارات في المشاريع المتوسطة، أو حتى الكبيرة منها حتى اليوم، فإن محاولات استقدام استثمارات خارجيةٍ لا يلقى استحساناً كبيراً، إلا فيما يخص استثمارات قطاع النفط الذي تقول السعودية: إنها في مرحلة التخلي عنه كرافد وحيد للاقتصاد، أي توجيه الاستثمارات في قطاعات جديدة أخرى.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الزيارة التي قام بها  الملك السعودي إلى دول آسيوية عدة، منها ماليزيا وإندونيسيا واليابان والصين، بغرض تعزيز العلاقات الاقتصادية، ففي زيارته إلى ماليزيا، اتفق الطرفان على توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم، لكن اللافت أن رئيس الوزراء الماليزي، نجيب عبد الرزاق، أكد أن أبرز الاتفاقيات الموقعة هي بين شركتي «تيروناس» الماليزية للنفط وشركة «أرامكو» السعودية، واتفاقيات أخرى في مجال التكرير والبتروكيماويات.

هذا النموذج من العلاقات الاقتصادية التقليدية، لا يلبي احتياجات الخطة الموضوعة قبل العام 2030، من اجتذاب لاستثمارات كبرى في قطاعات غير نفطية، وعليه، فإن القول بانطلاق العمل نحو الهدف السعودي ليس دقيقاً، والعمل على انتشال المملكة من أزمتها يستوجب سلةً كاملةً من الإجراءات السياسية والاقتصادية والقانونية، التي ستكون قاسيةً على السلطة السياسية السعودية، وإلا فإن الوصول إلى المستوى الاجتماعي من الأزمة في ظل التعقيدات والتفاوتات ضمن المجتمع السعودي بين حدي الرفاه والحرمان، قد يودي بهذه السلطة نفسها، إذا استمر التعامل مع الأزمات بالإجراءات التجميلية.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
805
آخر تعديل على السبت, 08 نيسان/أبريل 2017 16:08