فرنسا: انتخابات الانقسام في رؤية المشهد الدولي!

فرنسا: انتخابات الانقسام في رؤية المشهد الدولي!

تجري الانتخابات الرئاسية الفرنسية – في جولتها الأولى- بحلول الـ23 من شهر نيسان الجاري، على أن تقام جولة ثانية وأخيرة في السابع من أيار/ 2017، ذلك في حال عدم فوز أحد المرشحين بالأغلبية المطلقة، في الجولة الأولى، ويبدو الذهاب إلى جولة ثانية، هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، حسب معظم استطلاعات الرأي المعنية بهذه الانتخابات.

 

دائماً ما كانت الانتخابات الفرنسية محطّ أنظار، ومتابعة مكثفة في أوساط الإعلام الغربي والعالمي. ويعود ذلك إلى مكانة فرنسا السياسية، في إطار الاتحاد الأوروبي، فإن كانت ألمانيا تشكِّل «مقياساً حرارياً» لأوروبا من بوابة الاقتصاد، يعتبر كثيرون أن فرنسا هي «مقياس حراري» لأوروبا كذلك من الناحية السياسية...

 

رغم أهمية هذه الانتخابات - بمكانها وتوقيتها- إلا أن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية في أوروبا عموماً، وفي فرنسا ضمناً، لا تعبِّر بنتائجها تماماً عن موازين القوى الداخلية «شعبياً»، كما اعتادت وسائل الإعلام الغربي أن تقول، حيث أنه ورغم أهمية هامش الحريات المتاح المعروف بـ«ديمقراطية صناديق الاقتراع»- والذي يعتبره الغربيون «فخر الصناعة الفرنسية»- إلا أن نتائج الانتخابات القادمة ستشكل أحد التعبيرات عن «المزاج العام» المتشكِّل في فرنسا، في هذه المرحلة، بعد أحداث عدة هزت أوروبا، كانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسياسات فرنسا الخارجية، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بعمليات إرهابية كبيرة ضربت هناك...

«يسار» أو «يمين»؟

تتفق معظم استطلاعات الرأي الحالية على صعوبة تحديد المرشح الأقرب إلى الفوز بهذه الانتخابات، وهذا ما يؤكد حقيقة تقلب مزاج الفرنسيين اتخاذ خيارهم الانتخابي، ذلك كنتيجة لمخاوف محقة وقلق جدي اتجاه مستقبل بلادهم، في ظل هذه الظروف المحبطة أوروبياً بالنسبة لفرنسا. ومن هنا، افترضنا مسبقاً أن نتائج هذه الانتخابات ستعبِّر عن حالة «المزاج العام» الفرنسي، الذي يخضع بطبيعته للتأثيرات المتعددة إعلامياً وسياسياً، وليس عن «اليقين الشعبي» ببرامج مرشحي الرئاسة الخمسة الحاليين.

على هذا الأساس يترقب الفرنسيون، بحذر، مرشحي الرئاسة لاستبيان الموقف من قضايا عدة، باتت تشكل الأولوية لهم، وعلى رأسها الموقف من وضع فرنسا ضمن الاتحاد الأوروبي، ونتائج ذلك الاقتصادية - الاجتماعية، إضافة إلى مسائل الأمن ومكافحة الإرهاب.

لكن الانتخابات الفرنسية من حيث شكل تسويقها الإعلامي للناخبين، لا تعكس في الحقيقة مضمون التباينات بين المرشحين، وهو ما يصعِّب المهمة أكثر على الناخبين الفرنسيين، ذلك من زاوية محددة، هي الإصرار على استخدام توصيفات مكثفة إعلامياً، قد تعطي انطباعاً مضللاً عن توجهات هذا المرشح أو ذاك، وبالأخص مسألة التصنيف «يسار- يمين»، والتي تلحق بتفرعات «متطرف- وسط».

ربما عبَّرت بعض هذه التقاليد في السياسة الفرنسية عن حقائق موضوعية، في مراحل معينة من تاريخ الجمهورية الفرنسية، لكن بقاء هذه التقاليد ثابتة في طرحها وتأثيرها على الفرنسيين، ينافي حقيقة تبدل المهام التي تصدى لها كل من «اليمين واليسار» في فترات سابقة.

لسنا هنا بصدد إعطاء تعريف جديد لليمين واليسار الفرنسي، ضمن المرحلة الراهنة، لكن تكفي الإشارة إلى أن مواقف القوى السياسية الفرنسية مما يسميه الإعلام الغربي، بثنائية «أنصار العولمة والانفتاح، مقابل أنصار مبدأ العودة إلى السيادة والحدود الوطنية»، هذه المواقف بغض النظر عن جذرية وصدق حامليها، يمكن أن تكون معياراً مبدئياً ومؤقتاً للدلالة على تلك القوى المصرة على التبعية للاتحاد الأوروبي، ومن خلفه الولايات المتحدة، في مقابل تلك القوى التي تدرك أن العالم يتغير، وموازينه تشهد انقلاباً لغير المصلحة الأمريكية.

لوبان على طريق الإليزيه؟

يبدو أن مرشحي الرئاسة الخمسة - على تبايناتهم- متفقون على نقاش التحديات الأهم في المرحلة القادمة، وعلى رأسها وربما الأهم فيها، مسألة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وسط تأييد ورفض من قبل المرشحين، للبقاء ضمن هذا التكتل.

هنا تؤكد المرشحة عن حزب «الجبهة الوطنية»، ماري لوبان - التي تشير استطلاعات الرأي إلى قدرتها على اجتياز المرحلة الأولى من الانتخابات- في كل ظهور لها، على ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي. حيث قالت لوبان في حملتها الانتخابية أثناء لقائها حشداً من مناصريها: إن الاتحاد الأوروبي، «اتحاد فاشل»، و«لم يفِ بأيٍّ من وعوده»، وتعهدت بإعادة التفاوض على شروط عضوية فرنسا بالاتحاد الأوروبي بشكل كامل، وكذلك بإجراء استفتاء على الخروج من الاتحاد، إذا ما أخفقت في إعادة التفاوض. وتقول لوبان في تصريح آخر ضمن حملتها الانتخابية: إنها تتوقع اختفاء الاتحاد الأوروبي من الخريطة السياسية للعالم، وتنبأت بأن تندلع انتفاضة عالمية للشعوب، ووعدت بـ«حماية فرنسا من العولمة».

وتطرقت لوبان في برنامجها الانتخابي إلى العلاقة بين فرنسا وروسيا بشكل واضح، وقالت: «كنا نعتبر دائماً في حزبنا أنه لا بد لروسيا وفرنسا من دعم وتطوير العلاقات التي تربط بين بلدينا منذ زمن بعيد، وليس من الممكن التبرير، بأية حجة، المعاملة العدائية التي توجد حالياً، تجاه روسيا»، جاء ذلك أثناء لقائها رئيس مجلس الدوما الروسي في 24/آذار/2017، وأضافت لوبان في السياق نفسه: «أنا دوماً أؤيد إلغاء العقوبات التي اعتبرتها غير بناءة».

ماكرون: مرشح هولاند للرئاسة

على الطرف الآخر، يظهر مرشح حركة «إلى الأمام»، إيمانويل ماكرون، مرشحاً فوق العادة، لاجتياز الجولة الأولى من الانتخابات، والانتقال مع لوبان إلى جولة حاسمة من الانتخابات، في 7/أيار القادم. عمل ماكرون لأعوام عدة في بنك «روتشيلد» التجاري، قبل أن يعمل وزيراً للاقتصاد في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، وتشير التقارير الصحفية واستطلاعات الرأي، إلى استفادته من الدعم السياسي للأوساط المقربة من هولاند، في السباق مع لوبان نحو منصب الرئاسة.

ويظهر ماكرون مختلفاً عن لوبان، في موقفه اتجاه الاتحاد الأوروبي، فهو يؤمن بأن فرنسا وألمانيا باستطاعتهما أن تبقيا متحالفتين داخل المشروع الأوروبي، بصفتهما الأساس التاريخي للمشروع، ويؤكد ماكرون أنه سيكون صارماً مع المملكة المتحدة في المحادثات بشأن انسحابها من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى موقفه من وضع فرنسا داخل الاتحاد.

أما فيما يخص العلاقة مع روسيا، فإن مقربين من الحملة الانتخابية لماكرون، جددوا الاتهامات لروسيا بشن هجمات إعلامية وإلكترونية على حملتهم الانتخابية، فيما نفى الكرملين هذه الادعاءات، حيث قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: «إن الاتهامات التي وجهها ريشار فيران رئيس الحزب الذي ينتمي له ماكرون «سخيفة».

تجدر الإشارة هنا: إلى أن الإضاءة على موقف أبرز المرشحين من العلاقة مع روسيا، تأتي في سياق فهم موقف التيارات السياسية، ليس من روسيا بعينها، بل من معسكر القوى الصاعدة على مستوى العالم، والتي تتصدر روسيا فيها الجبهة السياسية- العسكرية، أي إن بيان الموقف من روسيا، هو بالنتيجة بيان موقف من حالة الانزياح المحتملة لهذه القوى السياسية أو تلك.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
804