احتجاجات رومانيا.. الخيوط تفلت من يد برلين؟

احتجاجات رومانيا.. الخيوط تفلت من يد برلين؟

احتلت أخبار الاحتجاجات الحاشدة ضدّ الحكومة الرومانية، صدارة التغطية الإعلامية للعديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية خلال الأسبوع الفائت، غير أن هذه التغطية الإعلامية المكثفة لم تساعد جمهور المتابعين في فهم الخلفيات الكامنة وراء المشهد المستجد، في دولة تعد «الصفيح الساخن» الثاني في أوروبا الشرقية، بعد أوكرانيا.

أفرزت الانتخابات البرلمانية الرومانية، التي عقدت في 11/12/2016، مشهداً جديداً في الساحة السياسية للبلاد. حيث استطاع الحزب «الاشتراكي الديمقراطي- PSD» اكتساح البرلمان الروماني، والحصول على ما يقارب الـ50% من مجموع مقاعده. وبالتعاون مع شريكه الأصغر حزب «ALDE»، ضمن «الاشتراكي الديمقراطي» الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة.

ما بعد الحكومة؟

بعد تشكيل حكومة حزب «الاشتراكي الديمقراطي»، برئاسة سورين غرينديانو، دخلت الحكومة في صراع متواصل، مع رئيس البلاد، كلاوس يوهانيس. فما هي أساسات هذا الصراع؟ وكيف جرى التعبير عنها؟

في مطلع عام 2015، استطاع يوهانيس، بمساعدة واسعة النطاق من منظمات الـNGOs، الوصول إلى الرئاسة، عبر تشكيل ائتلاف واسع من الأحزاب السياسية الصغيرة ومنظمات الـNGOs المحسوبة على مراكز القرار في بروكسل وبرلين، وقد اتحدت بعد ذلك في إطار «الحزب الليبرالي الوطني»، الذي يدعو إلى علاقات أوسع مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا، وإلى دور أكبر لحلف «الناتو» في البلاد، مع نزعة واضحة لتبني خطاب «شيطنة روسيا».

في المقابل، لطالما حاول «الاشتراكي الديمقراطي» أن يزاود على «تيار الرئيس» في إبداء الولاء للاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، مأخوذاً في ذلك بالقاعدة التي تقول: إن «الاشتراكيين الديمقراطيين» هم الأكثر قدرةً على لعب دور «الخيار الثاني» لقوى المال في بروكسل. إلا أن انزياحاً واضحاً قد حدث بمجرد وصول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض. حيث شرعت حكومة «الاشتراكي الديمقراطي» في تكثيف لقاءاتها مع حكومات إيطاليا واليونان وإسبانيا (وجميعها محسوبة على التيار الناشئ ضد التقشف في الاتحاد الأوروبي)، كما برزت دعوات الحزب العلنية إلى «التنسيق والتعاون» مع إدارة ترامب. وهنا تحديداً، بدأ فتيل قضايا الفساد بالاشتعال.

الصراع السياسي إلى الشارع!

ما ينبغي تثبيته في البداية، هو: أن الفساد ينخر فعلياً في طرفي النزاع الروماني، فلكلٍ من «الحزب الليبرالي الوطني» التابع لرئيس البلاد، و«الاشتراكيين الديمقراطيين» المسيطرين على الحكومة، حصة وازنة من التهم بالفساد. وهو ما يجعل استخدام ملفات الفساد مجرد غطاءٍ لانتقال الصراع السياسي بين التيارين إلى الشارع.

إن العنوان العام للاحتجاجات التي تجري اليوم في رومانيا، هو: رفض المرسوم الحكومي القاضي بالإفراج عن بضعة مسؤولين مسجونين بقضايا فساد تقل قيمتها عن 44 ألف يورو. وسط اتهامات بأن القرار يهدف للإفراج تحديداً عن المسؤولين التابعين إلى «الاشتراكي الديمقراطي». وبعد صدور المرسوم الحكومي بأربعة أيام، خرجت الاحتجاجات إلى الشارع، فيما تولت «المنظمات غير الحكومية» المحسوبة على تيار الرئيس تنظيمها، معتمدة على المزاج الشعبي العام الرافض موضوعياً لظاهرة الفساد. وفي هذا السياق، كانت التقارير «الحذرة على مصير الديمقراطية في رومانيا» تتوالى من الاتحاد الأوروبي. ورغم تراجع الحكومة عن قرارها، إلا أن تصعيداً متواصلاً لا يزال يجري في العاصمة بوخارست.

برلين و«واشنطن الجديدة»

تميل بعض التقديرات إلى أن الصراع السياسي الروماني الحالي، يجري في العمق بين معسكرين: المعسكر الأول، يشمل: «رئيس البلاد، والرؤساء الحاليين للأفرع الأمنية، وفريق المدعي العام»، وهذا المعسكر مدعوم من دوائر الاتحاد الأوروبي وبرلين. أما المعسكر الثاني، فيشمل: «الأغلبية البرلمانية، والحكومة الحالية، وربما جزءاً معيناً من الأفرع الأمنية ذاتها»، وهذا المعسكر يحاول مؤخراً التقرب من إدارة ترامب.

إلى ذلك، يعكس الصراع في رومانيا حالة التخبط التي تعيشها معظم دول القارة الأوروبية، بأحزابها المترهلة، إثر التغير الجاري في موازين القوى الدولية، مع ما يحمله هذا الأخير من رغبة ألمانيّةٍ في الحفاظ على ما يمكن الإبقاء عليه، ضمن المنظومة الأوروبية التي تتطلع برلين إلى سيادتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
797
آخر تعديل على السبت, 11 شباط/فبراير 2017 20:38