التهديدات من كل صوب: أفول «الحلم السعودي»
مالك موصللي مالك موصللي

التهديدات من كل صوب: أفول «الحلم السعودي»

على مدار سنوات الهيمنة الأمريكية العالمية بعد الحرب الباردة، جهدت السعودية للعمل على تأسيس نفسها، بوصفها القوة الرئيسة «رقم واحد» بين الدول العربية والإسلامية. ومع اشتداد التدخلات الأمريكية في العالم في مطلع الألفية الحالية، بدت السعودية كما لو أنها نجحت في ذلك.

مع تصاعد التورطات السعودية في العالم، كانت المخابرات الألمانية الخارجية، والتي يطلق عليها اختصاراً اسم «BND»، قلقة جداً من تنامي التحركات السعودية، مما تطلب، بحسب تقرير الاستخبارات، خطوة غير عادية، مفادها أنه «يجب البحث عن حلول في العلاقات مع السعودية، فالمواقف الدبلوماسية الحذرة التي كانت تتبعها العائلة الحاكمة، سرعان ما تم الاستعاضة عنها بسياسات تدخل متهورة، قد تدفع السعودية إلى إيذاء حلفائها في العالم».

الفشل يراكم الفشل

أجبر الحرج الذي وقعت فيه الحكومة الألمانية المخابرات الألمانية الخارجية على التراجع، ولكن على مدى العام الماضي، فإن المخاوف إزاء تأثير السياسات السعودية الأكثر عدوانية لزعزعة الاستقرار أصبحت أكثر من واضحة. ما لم يكن متوقعاً هو السرعة التي أحبطت بها الطموحات العالية للسعودية على الجبهات كلها تقريباً. 

وفي العام الماضي شهدت السعودية خسارة واضحة تماماً في الحرب السورية. هنا، على الأقل، كان التدخل السعودي فاشلاً، لكن بشكل غير مباشر. ولكن في الحرب اليمنية، كان تدخل الآلة العسكرية السعودية مباشراً، ومكلفاً جداً، وفشل فشلاً كارثياً في تحقيق أية انتصارات.

حتى التعويل السعودي على الولايات المتحدة- الضامن النهائي لاستمرار حكم آل سعود- لم يفلح، إذ لم يجد الرئيس أوباما ضيراً من أن يبدي تذمره من اتفاقية السعودية مع واشنطن التي تعتبر السعودية كصديق وحليف. وعلى المستوى الشعبي الأمريكي، هناك تزايد في العداء ضد السعودية ينعكس بشبه إجماع ظهر في الكونغرس للسماح لضحايا عائلات 11/9 بمقاضاة الحكومة السعودية، وتحميلها المسؤولية عن الهجوم.

اللعنتان السورية واليمنية

خلال فترة التراجع، أصبحت السياسة الخارجية السعودية أكثر عسكرية وتهوراً، وتلبيةً للطلبيات الأمريكية. حيث جاء التدخل العسكري السعودي في اليمن، والمزيد من التغوّل في الحرب السورية، بالفواتير كلها التي يحملها التدخل هناك.

لم تسر الأمور بشكل جيد بالنسبة للسعوديين، لا في اليمن ولا في سورية. كان يتوقع السعوديون أن يهزموا «أنصار الله» بسرعة، ولكن بعد خمسة عشر شهراً من القصف الشديد عليهم، وعلى حليفهم، الرئيس السابق صالح، ما زالت العاصمة صنعاء وشمال اليمن بيدهم. وقد أدى القصف الذي طال أمده على أفقر دولة في العالم العربي إلى وقوع كارثة إنسانية حيث أن 60% من سكان اليمن، والبالغ عددهم 25 مليون نسمة، لا يحصلون على ما يكفي من الطعام أو الشراب.

في سورية، تحملت السعودية جزءاً كبيراً من فاتورة الحرب الأمريكية، وأخذتها الأوهام حول قدرتها على دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل المباشر في سورية، وكان عبثاً مباشراً محاولة التعويل على هذا الحزب أو ذاك في المشهد السياسي الأمريكي. وما حصل لاحقاً في سورية، هو العكس تماماً! كثفت روسيا حضورها العسكري في سورية، وعملت على المسارين المتوازيين للأزمة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، وبدا واضحاً أن السعودية، ومن خلفها إدارة الرئيس باراك أوباما، قد شرعت بفقدان أوراقها في الشقين معاً.

داخلياً: على صفيحٍ ساخن

تم توجيه اللوم لمحمد بن سلمان داخل المملكة وخارجها، لسوء التقدير والتسرع  الذي جلب الفشل أو الجمود على الصعيد الاقتصادي. إن مشروعه الاقتصادي الذي يمتد حتى عام 2030 لتصبح المملكة العربية السعودية أقل اعتماداً على إيرادات النفط، وأكثر جذباً كدولة غير نفطية كان ممزوجاً بالشك والسخرية من البداية. ومن المشكوك فيه ما إذا كان هناك الكثير من التغيير في نظام المحسوبية داخل السعودية، حيث تنفق نسبة كبيرة من إيرادات النفط على العائلات الكبرى.

احتجاجات العشرة مليون عامل في المملكة السعودية، وهو الرقم الذي يمثل ثلث السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، نتيجة لعدم دفع الأجور أو تأخر دفعها، والسكوت المؤقت لهؤلاء تحت رهبة الخوف من الجلد أو السجن أو الترحيل، بالإضافة إلى تزايد حدة الاحتقان ذو الصبغة الطائفية في مناطق عدة في المملكة، يجعل الكلام عن أن «أمن الدولة السعودية غير مهددٍ» مجرد نكتة سمجة.

قاعدة الناقمين تتزايد

هناك مسألة أخرى، قليلاً ما يتم التعرض لها. وهي التوسع في قاعدة المناوئين للسياسة السعودية، والخليجية عموماً. اليوم، يعتقد البعض أن التدخل السعودي في الاحتجاجات الشعبية، التي جرت في عدد من دول العالم العربي، قد جعل القاعدة الشعبية التي من المفترض أنها «مؤيدة» لأنظمة هذه الدول في حالة كُره شديد للسياسات السعودية. هذا صحيح، لكنه نصف الحقيقة. حيث أن الدور السعودي، ومن خلفه الغربي طبعاً، في الإجهاز على الحراكات الشعبية في المنطقة، والمساهمة في تعزيز عوامل ما يسمى بـ«الثورة المضادة»، قد وسّع قاعدة الناقمين على السياسات السعودية، ليشمل طرفي الثنائية غير الأساسية «المؤيدين» و«المعارضين» للأنظمة القائمة، والتي لا جدال حول ضرورة تغييرها.

أثبتت الوقائع أن محاولة المملكة السعودية ودول الخليج النفطية، لتحقيق الهيمنة في المنطقة كانت كارثية على الجميع تقريباً، على السعودية التي خسرت، وعلى الناس الذين دفعوا ثمن التورطات السعودية.

هل من حل؟

السعودية اليوم في أكثر مراحلها تراجعاً. وقائمة الحلول السعودية الممكنة ليست كثيرة. في الجوهر، فإن التراجع السعودي مشتق مباشرة من حالة التراجع الأمريكي الحاد في العالم. وعليه، فإن الحل يكمن بـ«القفز» من المركب الأمريكي الغارق. هل فات الوقت لفعل ذلك؟ ربما، لكنه وإن كان لن يضمن للسعودية (وهنا نقصد تحديداً العائلة الحاكمة) أن تتجنب عواقب أزمتها وتراجعها كافة، غير أنه على الأقل من شأنه أن يخفف من التبعات الكارثية لهذا التراجع. وهذا التوجه سيحدث عاجلاً أم آجلاً، بيد النظام الحاكم الحالي في السعودية، أو بيد غيره، وإلا فإننا أمام انهيارات كبرى في الوزن السعودي لا يمكن معها ضمان أية سيناريوهات اقتصادية وسياسية وأمنية يمكن أن تواجهها البلاد التي عاثت فساداً لمرحلة طويلة باسم «السيد الأمريكي».

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
793
آخر تعديل على السبت, 14 كانون2/يناير 2017 14:57