عادل الملا عادل الملا

ماذا وراء الحملة الأمريكية على السعودية؟!

دخلت الأزمة في العلاقات السعودية ـ الأمريكية التي يزيد عمرها على ستين عاماً، مرحلة نوعية مختلفة بعد أحداث 11 أيلول 2001، وخاصة بعد التقرير الذي قدم للكونغرس المعبر عن النفوذ المتزايد للتيار المتشدد في الحكومة الأمريكية والمتمركز بالتحديد في وزارة الدفاع، هذا التيار الذي يعكس مصالح الاحتكارات البترولية والصناعة العسكرية.

لقد استفاد هذا التيار المتشدد من أجواء الغضب التي خلفتها أحداث 11 أيلول، ومن كون معظم الإرهابيين كانوا مواطنين سعوديين وينتمون إلى تنظيم القاعدة الذي أسسه السعودي أسامة بن لادن.

والجدير بالذكر أن الحكومة السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، وبالتنسيق معها، هي التي خلقت هذه التنظيمات الإسلامية وقدمت لها المساعدات المختلفة، وكان بن لادن على صلة مباشرة برئيس الاستخبارات السعودية الأمير محمد الفيصل، وحاربت هذه القوى ضد الحكومة التقدمية الأفغانية التي سعت لإرساء أسس دولة حديثة، حيث وزعت الأراضي على الفلاحين وشرعت ببناء المعامل وفتح المدارس للقضاء على الأمية المتفشية، وأفسحت المجال رحباً أمام المرأة الأفغانية لتخرج من ظلمات القرون الوسطى إلى رحابة العصر الحديث.

انقلب السحر على الساحر

وفجأة، بعد أحداث 11 أيلول، انقلب السحر على الساحر. فبعد أن اخذت هذه الدولة  بدعم من الولايات المتحدة وقوى الرأسمالية العالمية، وباسم الدين على عاتقها محاربة كل ما هو تقدمي في كل مكان أصبح هؤلاء إرهابيين يجب القضاء عليهم، وأن الحكومة التي قدمت لهم المال  والسلاح تحولت بين ليلة وضحاها إلى عدو لدود للولايات المتحدة، هذه المملكة التي وضع حكامها كل ما في جعبتهم تحت تصرف الشركات الأمريكية والجيوش الأمريكية، منذ قدمت أول بعثة للتنقيب عن البترول، وأعطى صورة عنها الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف في روايته الخماسية «مدن الملح».

توتر العلاقات

لقد شنت اجهزة الإعلام الأمريكية حملات شديدةعلى الدولة «الصديقة» لهم وازدادت هذه العلاقات توتراً بعدما نشرت صحيفة الـ«واشنطن بوست» تفاصيل تقرير قدم أمام «المجلس الاستشاري للدفاع» التابع للبنتاغون، وصف فيه المملكة بأنها دولة «عدوة» ومساندة للإرهاب، واقترح التقرير الاستيلاء على حقول السعودية النفطية،وهو ما أوصت به الإدارة الأمريكية فيما بعد.

دعوى مدنية على مسؤولين وشركات سعودية

 

وجاءت الضربة الثانية الموجهة للحليف الأمريكي التقليدي وهي دفع ذوي ضحايا أحداث 11 أيلول لإقامة دعوى أمام محكمة واشنطن الفيدرالية على مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى بلغ عددهم، حسب ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية 99 شخصاً من المسوؤلين الكبار والمؤسسات والمنظمات، أبرزهم وزير الدفاع السعودي سلطان بن عبد العزيز، والأمير تركي الفيصل الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودية، والأمير محمد الفيصل، مدير بنك فيصل الإسلامي، وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وخالد بن سليم بن محفوظ نجل مؤسس البنك الأهلي التجاري السعودي،ومن المصارف مؤسسة بركة للاستثمارات،والبحث السعودية والبنك الأهلي التجاري السعودي، ومؤسسة الراجحي للاستثمار والصرافة وغيرها من المؤسسات والشركات والمصارف.

ذروة الحملة

وستبلغ الحملة ذروتها عند الاحتفال بالذكرى الأولى لأحداث 11 أيلول،والتي يمكن اعتبار الدعوى المقامة على «المملكة الصديقة» وعلى رجالاتها مجرد تمهيد ومحاولة تخويف النظام السعودي عن طريق إجباره على ضرب مرتكزاته المؤسساتية شبه الدينية، في الداخل، بل ستطال ثروات البلاد ومدخراتها واستثماراتها وتوظيفاتها المالية في المصارف والشركات وصناديق الزكاة والجمعيات الخيرية جميعها،و هي بالكاد تكفي ما يطالب به الأمريكيون من تعويضات مباشرة لضحايا 11 أيلول والتي يضعون مسؤوليتها بالكامل على الدولة السعودية وعلى مواطنيها جميعاً، أمراء ورعايا.

ردود فعل غاضبة

وكانت ردود الفعل السعودية غاضبة على الرغم من الصمت الرسمي. إذ كشفت الانتقادات الموجهة لهذه السياسة ا لأمريكية ضد الصديق القديم بأنها:

1. تستهدف الاستيلاء على الودائع السعودية في الولايات المتحدة، وتشكل وسيلة للتدخل في شؤون المنطقة بأسرها.

2.  الضغط على العالم الإسلامي كي يقبل بتوجيه ضربة عسكرية  للعراق.

واشنطن والإرهاب

وقد كتبت صحيفة «الوطن» السعودية مقالاً قالت فيه: «كان الأحرى بأقارب ضحايا 11 أيلول إقامة الدعوى على الحكومة الأمريكية لا على السعوديين الذين (أثبتوا صدق وقوة تحالفهم مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، طوال السنوات الستين الماضية)» وأضافت إن واشنطن في تشجيع التطرف الإسلامي الذي لم يخدم مصالحها في أسيا الوسطى ومنطقة الخليج فحسب، بل إنها رفضت أيضاً تسلم أسامة بن لادن يوم عرض عليها السودان ذلك عام 1991.

ابتزاز مالي وسياسي

أما صحيفة «المدينة» فقد قالت إن المسألة هي قضية ابتزاز مالي وسياسي واضح في محيط اعتبرته معادياً للعرب، ودعت إلى رفع دعوى على الولايات المتحدة بتهمة قتل آلاف الفلسطينيين والعرب بأسلحة أمريكية الصنع تزود بها إسرائيل.

الدعوة إلى سحب الأموال السعودية

كما دعا البعض إلى سحب الأموال والودائع السعودية والعربية من الولايات المتحدة،و قالت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» إن السعوديين سحبوا 200 مليار دولار من الولايات المتحدة في خلال الشهور الماضية بسبب المواقف المناهضة للسعودية ولاسيما الدعوات التي تدعو إلى تجميد الأموال السعودية المودعة هناك، والتي تعني بالعربي الفصيح الاستيلاء عليها، وحيث تقدر الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة ما بين 500 ـ 700 مليار دولار.

ما وراء الحملة

إن خط التماس في التوتر بين واشنطن والرياض يعود في الواقع إلى الخلاف حول ثلاث نقاط:

1.  حول ما يسمى «الحرب ضد الإرهاب» وما يقوله الأمريكيون بشأن تردد السعودية في دعم واشنطن بشكل غير مشروط في هذه الحرب.

2. كيفية التعامل مع العراق، إذ تؤكد السعودية رفضها السماح للولايات المتحدة استخدام قواعدها ومنشآتها لضرب العراق، لأن الرياض بدأت تشعر بخطورة رياح السموم التي تهب عليها من واشنطن،والقلق على مصالحها السياسية والاقتصادية من أي نظام في بغداد، صديق لواشنطن، إذ أنه سيضع الولايات المتحدة في موقع قوي بتعاملها مع السعودية.

3. الخلاف حول كيفية التوصل إلى حل القضية الفلسطينية.

إن النظام السعودي غدا في موقع الاتهام، بل تجاوز الأمر في الأيام الأخيرة من  توجيه الاتهامات إلى الإدانة المسبقة والثقيلة الوطأة ماديا لا معنوياً فقط.

إن الخدمات الجلى التي قدمها النظام السعودي لدولة الاحتكارات الأولى في العالم قد شطبت بجرة قلم وتحول هذا «الصديق» إلى عدو لدود يجب القضاء عليه.

وهكذا يتبين لكل ذي عينين أن دولة الاحتكارات هذه لا تعرف الصداقة، إنها لا تعرف إلا مصالحها،وهي على استعداد للتنكر لأي دولة مهما قدمت لها من خدمات، والانقلاب عليها رأساً على عقب، وإن  الهجمة الأمريكية على أحد أقدم أصدقائها في المنطقة لأكبر دليل على عدم الوثوق بالأمريكيين ناهبي الشعوب ومضطهديها.

إما مصالح الشعوب وإما مصالح الأمريكيين..

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:32