من الدائن ومن المدين؟!

«إذا طبّقنا الصيغة الأوروبية للفوائد المركبة، فإننا نعلِم مكتشفينا بأنّهم مدينون لنا بمقدار 484147 مليار كيلوغرام من الذهب و42 تريليون كيلوغرام من الفضة كدفعة أولى عن ديْنهم، وللعلم، فإنّ هذه الكميات تبلغ اليوم 212345 مليون ضعف الإنتاج السنوي العالمي من الذهب، و3164 مليار ضعف الإنتاج السنوي العالمي من الفضة. كما أنّ هذا المجموع يعادل أيضاً 70% من كامل القشرة الأرضية، أي 0.7 % من مجموع الكرة الأرضية. إنها ثقيلة، هذه الكميات من الذهب والفضة! كم كانت ستزن لو أنها حسبت دماً؟»

الزعيم الهندي الأحمر غوايكايبورو كواتيموك

الديْن الخارجي الحقيقي هو عنوان عرضٍ قدّمه الزعيم الهندي الأحمر غوايكايبورو كواتيموك Guaicaipuro Cuatemoc (1) أمام اجتماع رؤساء دول المجموعة الأوروبية. بخطابٍ بسيط، نقل بالترجمة الفورية إلى أكثر من مائة من رؤساء الدول وكبار الشخصيات في المجموعة الأوروبية، نجح الزعيم غوايكايبورو كواتيموك في إدخال القلق إلى نفوس مستمعيه حين قال:
«وهكذا، فقد أتيت، أنا، غوايكايبورو كواتيموك، كي ألتقي بأولئك الذين يحتفلون باللقاء. وهكذا أتيت، أنا المنحدر من أولئك الذين كانوا يسكنون أمريكا قبل أربعة آلاف عام، كي ألتقي بالذين التقوا بها قبل خمسمائة عامٍ فقط.

هكذا إذن، نلتقي جميعاً. نعلم من نحن، وهذا يكفي.
الأخ الأوروبي في الجمارك طلب مني ورقةً مكتوبة ومعها سمة دخول كي أتمكّن من اكتشاف أولئك الذين اكتشفوني. الأخ الأوروبي المُقرض طلب مني أن أدفع ديناً اقترضه يهوذا الذي لم أسمح له يوماً بأن يبيعني. الأخ الأوروبي المحامي الصغير فسّر لي بأنّه يتم دفع فائدة عن كلّ دين، حتى لو كان الأمر بيعاً لبشرٍ ولبلادٍ بأكملها دون أن يطلب أحدٌ الموافقة من أصحاب الشأن. وها أنا أكتشفهم شيئاً فشيئاً.

أنا أيضاً أستطيع أن أطالب بالمال، أنا أيضاً أستطيع أن أطالب بالفوائد.
أرشيف الهنود الحمر يثبت، ورقةً إثر ورقة، وإيصالاً بعد إيصال وتوقيعاً تلو توقيع بأنه في الفترة الواقعة بين 1503 و1660 فقط وصل إلى سانلوكار دي باراميدا (في إسبانيا) 185000 كيلوغرام من الذهب و 16 مليون كيلوغرام من الفضة مصدرها أمريكا. نهب؟ لا أعتقد ذلك! فلو فعلتُ، لكان معنى ذلك أنني أتّهم الأخوة المسيحيين بمخالفة الوصية السابعة. سلب؟ لا قدّر تاناتزين أن أتخيّل بأنّ الأوروبيين، مثلهم في ذلك مثل قابيل، يقتلون وينكرون دم أخيهم! إبادة عرقية؟ هذا يعني تصديق الكاذبين من أمثال بارتيلوميه دي لاس كاساس الذين يصفون الالتقاء بالهند بأنه تدميري، أو غيرهم مثل أرتورو أوسلار بييتري الذين يؤكدون بأنّ إقلاع الرأسمالية والحضارة الأوروبية الحالية قد كان ممكناً بفضل تدفق هذه المعادن الثمينة! لا! ينبغي اعتبار هذه الـ185000 كيلوغرام من الذهب والـ16 مليون كيلوغرام من الفضة الدفعة الأولى من أصل مجموعةٍ من القروض الأخوية الأخرى التي قدمتها أمريكا، والتي اغتُصبت من أجل تطوير أوروبا. وقول العكس يعني افتراض وجود جرائم حرب، مما يعطي الحق ليس لطلب تسديدها الفوري وحسب، بل أيضاً للمطالبة بالعطل والضرر. أنا، غوايكايبورو كواتيموك، أفضّل أن أحتفظ بأقل هذه الفرضيات عدوانيةً.

هذا التصدير الأسطوري لرؤوس الأموال لم يكن إلاّ بداية لخطة «مارشال- تيزوما»، التي تهدف إلى تأمين إعادة بناء أوروبا البربرية التي حطمتها حروبها البائسة ضد المسلمين المثقفين، أولئك الذين اخترعوا علم الجبر، والحمّام اليومي، والعديد غيرها من التطورات الهامة في مسيرة الحضارة. إذن، وباحتفالنا بالذكرى المئوية الخامسة للقرض، نستطيع أن نتساءل: هل استخدم الأخوة الأوروبيون تلك الأموال التي قدمها بكل ذلك السخاء الصندوق الدولي الهندي-الأمريكي بصورةٍ عقلانية ومسؤولة، أو منتجة على الأقل؟ ينبغي ألاّ نأسف إذا اضطررنا للإجابة بلا. فعلى الصعيد الستراتيجي، بدّدوها أثناء حروب ليبانتو (2)، وفي الحملات التي لا تهزم، وفي أنماط من الرايخ الثالث، وفي أشكال أخرى عديدة من الإبادة المتبادلة، دونما نهاية سوى أن يجدوا أنفسهم وقد احتلتهم جيوش الحلفاء، كما في بنما، لكن دون قناة.

على الصعيد المالي، فقد فشلوا خمسمائة عام ليس فقط في استنفاد رأس المال وفوائده، لكن أيضاً في أن لا يكونوا خاضعين للعوائد المالية والمواد الأولية والطاقة الرخيصة الثمن التي يوفرها لهم العالم الثالث بأكمله. هذه اللوحة المؤسفة تثبت تأكيد ملتون فريدمان الذي قال بأنّ الاقتصاد المدعوم مالياً غير قادر على أن يكون فعالاً، مما يجبرنا، ولمصلحتكم، على أن نطالبكم بدفع رأس المال والفوائد التي أجّلنا المطالبة بها بكل سخاء طيلة القرون الماضية.

بناءً على ما سبق، فإنّ علينا أن نوضّح بأننا لن ننزل إلى مستوى مطالبة أخوتنا الأوروبيين بنسبة الفوائد القاسية والدموية البالغة 20%، بل حتى 30 % والتي، بالمناسبة، يقبضها بعض أخوتنا الأوروبيين من شعوب دول العالم الثالث. سوف نقتصر على المطالبة بدفع قيمة المعادن الثمينة التي سبق ذكرها، بالإضافة إلى فائدة متواضعة ثابتة مقدارها 10% سنوياً، متراكمة على مدى الأعوام الثلاثمائة الأخيرة فقط، أي بإعفاء عن فترة 200 عاماً.

على هذا الأساس، وإذا طبّقنا الصيغة الأوروبية للفوائد المركبة، فإننا نعلِم مكتشفينا بأنّهم مدينون لنا بمقدار 484147 مليار كيلوغرام من الذهب و42 تريليون كيلوغرام من الفضة كدفعة أولى عن ديْنهم، وللعلم، فإنّ هذه الكميات تبلغ اليوم 212345 مليون ضعف الإنتاج السنوي العالمي من الذهب، و3164 مليار ضعف الإنتاج السنوي العالمي من الفضة. كما أنّ هذا المجموع يعادل أيضاً 70% من كامل القشرة الأرضية، أي 0.7 % من مجموع الكرة الأرضية. إنها ثقيلة، هذه الكميات من الذهب والفضة! كم كانت ستزن لو أنها حسبت دماً؟

أضف إلى ذلك أنّ أوروبا لم تتمكن خلال خمسمائة عام من إنتاج ما يكفي من الثروة كي تسدد هذه الفائدة الضئيلة، وهذا يعني الاعتراف بفشلها الاقتصادي المطلق و/أو الاعتراف باللاعقلانية المفرطة للمبادئ الرأسمالية.

بطبيعة الحال، فإنّ الهنود الأمريكيين لا يطرحون على أنفسهم مثل هذه المسائل الميتافيزيقية. إلاّ أننا نطالب بتوقيع رسالة نوايا تلزم الشعوب المدينة في القارة القديمة، وتجبرها على احترام التزامها بإجراء خصخصةٍ سريعة أو تكييفٍ لأوروبا، بحيث تستطيع أن تعيد لنا المبلغ بأكمله، بصفته الدفعة الأولى من الدين التاريخي.

■ ■  حين قدّم الزعيم غوايكايبورو كواتيموك محاضرته أمام اجتماع رؤساء الدول في المجموعة الأوروبية، فإنه لم يكن يعلم بأنّه يعرض قضيةً في القانون الدولي تهدف إلى تحديد الدين الخارجي الحقيقي. لم يبق سوى العثور على حكومة أمريكية لاتينية لديها من الشجاعة ما يكفي لترفع القضية إلى المحاكم الدولية.
■  فالنسيا، نيسان 2002

■ هوامش:

(1) - كواتيموك (1495-1524) آخر الحكام من شعب الآزتيك ويعني اسمه حرفياً: «النسر الساقط». ترأس كواتيموك المقاومة لسياسة المهادنة التي اتبعها عمه الامبراطور موكتيزوما الثاني مع الغزاة الإسبان. ونظّم الهجوم المدعو: «الليل الحزين» الذي طرد فيه الحاكم الإسباني الغازي من تينوشتيت عاصمة الآزتيك.، وذلك في 30 حزيران 1520. في العام نفسه، توفي عمه الإمبراطور، فاستلم الحكم مكانه وتمكن من الدفاع عن العاصمة خلال ربيع وصيف 1521. انتهى به الأمر للوقوع في أيدي الإسبان، إلاّ أنه رفض أن يفصح لهم عن مكان الذهب الذي يخص مملكته. مات كواتيموك مشنوقاً بعد أن ذاق أنواع التعذيب. ويرتفع اليوم في العاصمة المكسيكية تمثال له.

(2) - معركة ليبانتو، هي معركة بحرية جرت في 7 تشرين الأول 1571 في خليج لوبانت المسمى حالياً بخليج كورانت، بين الأسطول العثماني بقيادة علي باشا والمؤلف من 300 سفينة، وأسطول المسيحيين الذين يضمون إسبانيا، ومالطا وفينيسيا وجنوة  والدول التابعة للبابوية في روما. كانت هذه المعركة انتصاراً مدوياً، وتعتبر أول انتصارٍ للمسيحيين على الإمبراطورية العثمانية، وكان تأثيرها معنوياً أكثر منه واقعياً، إذ أنّ الأتراك احتفظوا بسيطرتهم على الأرض، وسرعان ما أعادوا بناء أسطولهم.

 

 

■ يوضح الجدول المرفق حجم ديون العالم الثالث مع توضيح لنسبها من الدخل الوطني والتصدير الخارجي، الذي يؤكد خطورة وصحة الاستنتاجات التي انتهى اليها الزعيم غوايكايبورو كواتيموك Guaicaipuro Cuatemoc  بخطابه أمام اجتماع رؤساء دول المجموعة الأوروبية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
176