محمد الزبيدي محمد الزبيدي

يا لعار الأنظمة

 وهكذا بدأ العدوان الإسرائيلي الشامل على الشعب اللبناني. بدأ، والصمت المطبق يلف العالم العربي الرسمي المشابه لصمت أبي الهول، صمت أمام الشعوب التي وجدت هذه الأنظمة الرسمية نفسها غير قادرة على التحدث بشيء أمامها، إلا أنه صمت ظاهري فقط، فوراء الأبواب المغلقة كانت تعد الجريمة بين هؤلاء الحكام وبين أسيادهم الذين رأوا في عجز القوة الأمريكية الجبارة وربيبتها إسرائيل عن تصفية جذوة المقاومة العظيمة للشعب الفلسطيني وللشعب العراقي وأخيراً للشعب اللبناني. يا للعار.

هل بلغ الانحطاط بهؤلاء الحكام أن يكونوا مشاركين بإطفاء شعلة النضال من أجل الكرامة الوطنية لدى شعوبهم، لم تعد حتى ورقة التوت لتستر عوراتهم، لقد ظهروا عاريي الجسد أمام شعوبهم وأمام العالم كخونة لأمتهم، فالتاريخ سوف لن يرحم ومع ذلك، شعلة النضال لاتنطفئ، ولايمكن أن تنطفئ تتراجع أحياناً، تكمن أحياناً أخرى لتظهر من جديد كالفينيق. هاهو الشعب اللبناني ومعه الشعب الفلسطيني يسطران صفحة من البطولات تعيد إلى العرب شيئاً من الكرامة التي ضيعها هؤلاء الحكام المأجورون. لانستطيع ونحن نتابع مايجري في لبنان وفلسطين إلا أن ننحني أمام بسالة هؤلاء المقاومين الذين يرفضون التنازل عن حقوق وكرامة شعبيهما. إنهما يعيدان للعرب الأمل لإمكانية الانتصار، يعيدان للشعوب العربية الشعور بالثقةبالنفس، هذا الشعور الذي عمل الحكام على إضعافه وإماتته خلال سنوات طويلة.
هل صحيح أن أسر هذين الجنديين الإسرائيليين هو سبب المشكلة، هو سبب إحراق لبنان كما يدعي الإسرائيليون والأمريكان وعملاؤهما في عالمنا؟ لو كان الأمر كذلك لما كان بالإمكان أن تكون هذه الحرب على مثل هذا الاتساع. إنها ذريعة فقط، ذريعة سيقوم بها الإسرائيليون إن عاجلاً أو آجلاً بمعزل عن أسر هذين الجنديين، وكان الهدف واضحاً، وهو تصفية لبنان المقاوم في إطار المشروع الأمريكي الشرقأوسطي، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية التي أخذت تحرج الحكام العرب في الآونة الأخيرة كثيراً، إذاً، من الضروري تصفيتها وبأيد فلسطينية تقبل بالمشروع الصهيونيالأمريكي لحل المشكلة كي تستطيع أن تقول هذه الأنظمة فيما بعد، أن ذلك هو خيار الشعب الفلسطيني، ثم بعد ذلك إنقاذ أمريكا من مأزقها العراقي من خلال تمهيد الظروف الملائمة عربياً لتفتيت العراق، أثنياً وطائفياً، وهو مانرى بوادره الآن، لتلتف بعد ذلك إلى ماتبقى من العالم العربي كي تستفرده دولة دولة، لتقسيمه وضربه فيما بين بعضه بعضاً، وإلغاء روح الممانعة كاملاً، وبذلك تكون المؤامرة قد اكتملت. هل سينجحون في ذلك؟ إن تجربة التاريخ قد أكدت أن حركات الشعوب لاتقهر، ولايمكن لأي حل في منطقتنا أن يتم إذا لم يكن عادلاً. جذوة النضال لاتنطفئ أبداً، كم من الشهداء يذهب يومياً في فلسطين، الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، وكم هي الضحايا كثيرة في لبنان المعذب، وفي عراق الرافدين؟ ومع ذلك لم تستطع لا أمريكا ولا إسرائيل، ولا أذنابهما من الحكام العرب إخماد ذلك.

هاهو المأزق ينتقل إليهم، وتلتف الشعوب العربية أكثر فأكثر حول النضال البطولي لفلسطين، للبنان، للعراق، ويصبح قادة هذا النضال رموزاً كفاحية للشعوب العربية بأسرها. إن ماتقدمه حركة المقاومة اللبنانية ونضال الشعب الفلسطيني من عبر أمام الأمة العربية، هي كثيرة جداًَ، ولسنا هنا بصدد تعدادها بيد أننا سنؤكد على بعضها فقط.
العبرة الأولى: وهي أن صمود المقاومة في لبنان وتحديها للجبروت الإسرائيلي المدعوم أمريكياً قد أسقط نهائياً ورقة التوت عن عورات الحكام العرب المتخاذلين.
العبرة الثانية: أنها أعادت وتعيد الثقة للمواطن العربي بإمكانية الصمود والانتصار أيضاً، وهي قضية كبيرة جداً، لأن الحكام العرب عملوا كثيراً من أجل نسف ثقة شعوبهم بأي انتصار.
العبرة الثالثة والهامة جداً، التي يجب أن يأخذها جميع الوطنيين بعين الاعتبار، ونخص بالذكر منهم، من يقول عن نفسه أنه يحمل مشروعاً نهضوياً إنسانياً مستقبلياً، هو أن نجاح حركة المقاومة في لبنان أو في فلسطين في استقطاب الجماهير الشعبية وحشدها للنضال، مرتبط ارتباطا ًعضوياً بالتلاحم العميق بين قادة الحركة والجماهير الشعبية. هؤلاء القادة الذين لم يبتعدوا قط عن جماهيرهم، فهم معها في السراء والضراء، في الحياة وفي الموت، إنهم نظيفو اليد، ولايسخرون هذا الرصيد المعنوي الكبير الذي يملكونه لمصالحهم الشخصية، ليس عجباً أن يتحول شخص مثل السيد حسن نصرالله إلى بطل أسطوري، على نطاق العالمين العربي والإسلامي، قد نختلف معه في العديد من المسائل، ولكننا لانستطيع أبداً إلا أن نحترمه، فهو صاحب اليد النظيفة، والكلمة الصادقة وليس له وجهان.
إذاً، ثلاثة عبر قدمتها المقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين، وهي كافية لكي يكون لهذه المقاومة أهميتها التاريخية، ليس فقط في لبنان وفلسطين، وإنما على النطاق العربي بأسره. إنها عبر لكل من يريد أن يناضل من أجل مصالح شعبه ومن أجل تطوره الحر والمستقل.
إن شعبنا السوري يتعاطف دون حدود مع الأشقاء في لبنان وفلسطين، ولقد فتح صدره واسعاً لهما، معبراً عن ذلك في تضامنه غير المحدود مع هذين الشعبين الجريجين، وكذلك مع شعب العراق المثخن.
إننا لاننظر إلى المستقبل بتشاؤم، بيد أن المستقبل الزاهر لن يأتي دون ضريبة، ولكنه آت لامحالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
280