حروب الحسابات الخاطئة
سيتذكر الناس طويلا عام 2006 بصفته عام الحسابات الخاطئة.
فبالنسبة لإسرائيل، فبعد أن عانت من ضربات الصواريخ المنطلقة من غزة ولبنان، اعتقدت أن عملية اختطاف الجنود الثلاثة قد وفرت لها فرصة إنقاذ نفسها من الحكومة الإسلامية في غزة رغم كونها حكومة منتخبة ديمقراطيا، وفرصة تدمير حزب الله في لبنان. داخل إسرائيل، قوبل رد رئيس الوزراء إيهود اولمرت على لبنان بشعبية تكاد أن تكون غير مسبوقة. لكن التحرك الذي كان يمكن احتواؤه ضمن إطار المناوشات الحدودية تحول إلى حملة إسرائيلية عسكرية كبرى.
أساء اولمرت وأعضاء حكومته وضباط جيشه على نحو فادح تقدير قوة حزب الله. فقد انهمرت صواريخ حزب الله على إسرائيل كما تنهمر الشهب ووصلت إلى أمدية غير متوقعة.
كذلك أساءت إسرائيل تقدير فاعلية القوة الجوية وحدها كأداة منفردة لإلحاق الهزيمة بحزب الله. وعندما جاء الوقت الذي أدركت فيه ضرورة زج الجيش في عمليات برية، كان الدمار الذي ألحقه قصفها الجوي بالحياة المدنية وبالبنية التحتية اللبنانية قد بلغ حدا من الفظاعة بما أرغم حتى إدارة بوش على التحفظ.
القرار الإسرائيلي القاتل الآخر كان في نقل الحرب إلى لبنان بما في ذلك ضرب المنشآت العسكرية اللبنانية العائدة للجيش اللبناني، بدلا من قصر جهودها على إضعاف قوة حزب الله. وقد جاء ضرب منشآت ميناء بيروت ليقدم مثالا على فشل الحملة الإسرائيلية التدميرية ذات النتائج المعكوسة والتي حسب الإسرائيليون أنها سوف تدفع اللبنانيين إلى الوقوف ضد حزب الله أو الانتكاس تحت وقع الضربات الإسرائيلية الموجعة. وعلى الرغم من وجود أصوات غير قليلة في لبنان، كما في العالم العربي، كانت توجه اللوم إلى حزب الله لتسببه في إطلاق شرارة الحرب، فان عدم قدرة الإسرائيليين على سحق حزب الله، تضاف إليه الأرقام المرتفعة لعدد القتلى من المدنيين اللبنانيين العزل، سرعان ما طغى على الأصوات المنتقدة من بغداد إلى بيروت وأطلق في أجواء العالم العربي أسطورة المقاومة البطولية لحزب الله.
إدارة بوش وقعت هي الأخرى في سوء تقدير خطير. قد حسبت بأنها من خلال إعطائها الضوء الأخضر لإسرائيل لتواصل الحرب في وجه نداءات عالمية شاملة لوقف فوري لإطلاق النار، سوف تمكن الإسرائيليين من القضاء على "حالة الدولة داخل الدولة" التي يمثلها حزب الله في لبنان. لكن إسرائيل عجزت عن تحقيق المهمة.
حاول الرئيس بوش أن يعكس للعالم أن حزب الله قد "عانى من الهزيمة في هذه الأزمة"، لكن ما يعرفه الإسرائيليون واللبنانيون معا يخالف ذلك. فقد بات على حكومة أولمرت الآن، وبعد توقف المدافع، أن تؤدي حساب أخطائها في التقدير، وأن تلغي، في الوقت الحاضر على الأقل، خططها الخاصة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية.
القوة الدولية التي ستقوم بدور الشرطي في جنوب لبنان لن تعمل على نزع سلاح حزب الله. كما أن جنود الجيش اللبناني لن يقوموا بذلك. وعند الأخذ بنظر الاعتبار الأموال الإيرانية الهائلة الموضوعة تحت تصرف حزب الله فان الحزب سينال أيضا فضل القيام بإعادة إعمار لبنان.
إن صورة الولايات المتحدة وهي تستخدم كل ما في جعبتها الدبلوماسية من ثقل للحيلولة دون إيقاف النار وسط كل ذلك الدمار وبين كل تلك الأعداد من القتلى إضافة إلى قيامها بتقديم أشد القنابل فتكا لقتل المزيد من المواطنين العرب قد ألحقا بمكانة أمريكا دمارا لا حد له.
لقد كتب الأخضر الإبراهيمي، الذي بذل الكثير من أجل مساعدة كل من العراق وأفغانستان ولبنان في لملمة أركان دولها المهشمة، يقول "كان هناك من جادل بان الحرب يجب أن تستمر حتى تتم معالجة أسباب النزاع الجذرية، لكن أحدا لم يفسر لنا كيف يمكن تحقيق ذلك عن طريق تدمير لبنان".
أما إيران، فقد مرت بفترة قصيرة من القلق نتيجة ما قام به حزب الله، لكنها في النهاية خرجت أكثر قوة من ذي قبل. كما أن الصيغة التي تطرحها سورية للشرق الأوسط الجديد فهي صيغة يكون فيها النفوذ الأمريكي في المنطقة في أدنى مستوياته.
وفي العراق، ارض جميع الحسابات الأمريكية الخاطئة، فقد اندفع العراقيون بالألوف إلى الشوارع تأييدا لإخوانهم في لبنان مما حمل الرئيس جورج بوش إلى الإعراب عن الحيرة والدهشة من "نكران العراقيين للجميل".
إن حروب الحسابات الخاطئة التي شهدها هذا الصيف سوف تلقي بظلالها القاتمة على عقود طوال من الضرر الذي ستعاني منه المصالح القومية الأمريكية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 280