خمسة أعوام على 11/9: مَن أخرج جنّي «الإرهاب»؟ الحرب على الإرهاب: فشل كبير وعالم أشد خطرا!

ليس من قبيل المبالغة، أو التشفي، أن نقرر اليوم بعد مرور خمس سنوات كاملة على بدء ما يُسمى بـ«الحرب على الإرهاب» أن نقرر، وبكل ثقة، أن هذه الحملة التي قادتها الولايات المتحدة قد حصدت خيبة ثقيلة وفشلاً كبيراً.

وليس بمقدور الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذي أطلق هذه الحملة كردّ فعل على واقعة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) التي اقتحمت فيها طائرتان المبنى الهائل لمركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك ودمرت طائرة ثالثة قسماً من مقر وزارة الدفاع الأمريكية، أن ينكر تلك الحقيقة، مهما بالغ في زعمه بأنه في سبيله لتحقيق «النصر» في حملته على الإرهاب. كما أن المكابرة التي تعكسها تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، في محاولاتهم لإثبات ادعاءات الرئيس بوش، لا يمكنها الصمود أمام منطق أكثر المحللين والخبراء رصانة وموضوعية من داخل الولايات المتحدة وخارجها والذين يجمعون على أن حملة الحرب على الإرهاب لم تجعل العالم أكثر أمناً مما كان عليه قبل خمس سنوات وأنه، على العكس، أصبح أشدّ خطراً وأكثر عرضة لـ«الإرهاب» الذي استشرى.. وتفاقم.. وانتشر!
وإذا كان الرئيس الأميركي قد أرادها «حرباً لم نشهد لها مثيلاً من قبل»، كما أعلن هو يوم بدأ شنّ حملته الشعواء، فإنه قد نجح بالفعل في أن يجعلها كذلك. ولكن النتيجة كانت «كارثية» بكل المقاييس. وعلى حدّ تعبير وليام دوبسون، مدير تحرير مجلة «فورين بولسي» في عددها الذي خصصته لمناسبة مرور خمس سنوات على الحدث، فإن العالم اليوم «يواجه مزيداً من الإرهاب... وعلى جميع الجبهات».
لعل الملاحظة الأبرز والأكثر مدعاة للعجب في الوقت نفسه، في هذه الحرب الأمريكية على الإرهاب، أن فشلها الكبير يتجلى كأوضح ما يكون في الميدانين الرئيسيين اللذين استهدفتهما منذ البداية... وهما أفغانستان والعراق.
فبالنسبة لأفغانستان، والتي اجتاحتها الجيوش الأمريكية بعد عمليات للقوات الخاصة ثم استولت على العاصمة كابول قبل مرور شهرين على حادثة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كان المتصوّر أن مهمة القضاء على حركة طالبان وحكومتها ستكون يسيرة نسبياً. وهي ربما سارت في هذا المنحى في البداية، ولكن الأمور أخذت في التردي منذ ذلك الوقت، حتى ليبدو اليوم وكأن طالبان قد استعادت قوتها في ثلاثة أقاليم على الأقل في جنوبي البلاد وهي قندهار وهلمند وأوروزغان. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية المدعومة بقوات التحالف لا تتوانى عن استخدام أشدّ أنواع الأسلحة فتكاً، بما في ذلك القنابل العنقودية وقذائف الأبخرة الحارقة والقنابل الذكية، فإن مقاتلي طالبان لا يزالون قادرين على خوض معارك ضارية في جنوبي البلاد على وجه الخصوص، وفقاً لما تعلنه مصادر الحكومة الأفغانية وقيادة قوات التحالف نفسها. وهكذا يبدو أن حركة طالبان قد عادت إلى الميدان وأخذت قوتها تتصاعد رغم وجود قوات التحالف، حتى أنها تمكنت من الاستيلاء على بعض القرى والبلدات (خصوصاً في إقليم هلمند حيث تعترف المصادر الرسمية بأن مقاتلي طالبان «يتحركون بحرية»!). فإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن الحكومة الأفغانية التي نصّبتها الولايات المتحدة برئاسة حامد كرزاي لم تتمكن يوماً من إحكام سيطرتها على مقاليد الحكم، بل وأصبحت تواجه سخطاً شعبياً متزايداً، فضلاً عن عجزها أمام استشراء زراعة الأفيون وتجارته التي تؤكد المصادر الدولية أنها بلغت معدلاً غير مسبوق، فإن ذلك يجسد صورة الوضع المفكك في البلاد والذي يُعد مرتعاً مثالياً لـ«الإرهاب» الذي جاءت أميركا إلى هنا للقضاء عليه!
أما في العراق، فربما تبدو الصورة بالنسبة للمتابع من العالم العربي أكثر وضوحاً، بحكم القرب والاهتمام، وبالتالي فإن حجم الفشل الذي مُنيت به الحملة على الإرهاب هناك ليس في حاجة إلى أدلة أو براهين، خصوصاً بعد أن انتهى الأمر بالبلاد بعد أكثر من ثلاث سنوات على تسلّم القوات الأمريكية قيادها أن انزلقت بالفعل في مستنقع الحرب الأهلية. على أن المدهش هو أن هذا الواقع الذي انتهى إليه الوضع في العراق برغم (أو ربما بسبب) السيطرة الأمريكية، قد أصبح واضحاً جلياً أمام الجميع.. باستثناء الإدارة الأمريكية التي لا تزال تصرّ على التشدق بما تحقق من إنجاز في العراق. فمؤخراً، على سبيل المثال، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية (في 02 آب/اغسطس) تقريراً كتبه اثنان من كبار محرّريها هما دانييل بايمان وكينيث بولاك، وكان مما ورد فيه: لقد انتهى الجدل الآن. فبأي تعريف كان، فإن الحالة القائمة في العراق الآن هي حالة حرب أهلية. والمؤكد هو أن الشيء الوحيد الذي يحول دون تردي العراق إلى وضع مماثل لما مرّت به البوسنة من قبل، هو وجود 531 ألف جندي اميركي.. ولكن حتى هؤلاء لا يفعلون أكثر من مجرد إبطاء الاندفاع نحو السقوط! ثم يمضي تقرير الصحيفة فيسجل أن هذا الصراع المتمادي في العراق «يمكن أن يتطوّر بسهولة إلى نزاع أشمل من شأنه أن يمثل تهديداً، ليس للعراق وحده، وإنما لمنطقة الخليج الغنية بالنفط بأسرها، بما يشكله ذلك من عدم استقرار.. وحروب.. وفوضى»!!
وهكذا، يتبدّى الفشل الذي مُنيت به الحملة على الإرهاب بعد خمس سنوات من إطلاقها، بالنسبة للموقعين الأهم اللذين استهدفتهما تلك الحملة: أفغانستان، والعراق.
بين أيدينا، بالإضافة إلى ذلك، شهادة مهمة وردت في مقابلة أجراها الصحافي الاميركي كين سيلفرشتاين مع مسؤول كبير سابق عمل لمدة 22 عاماً في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه)، هو مايكل شوير الذي كان يترأس وحدة خاصة في «مركز مكافحة الإرهاب» داخل الوكالة بين عامي 6991 و9991. وفي هذه المقابلة أجاب المسؤول الاستخباراتي السابق على مجموعة من الأسئلة المحورية:
هل أصبحت أميركا، بعد مرور هذه السنوات الخمس، أقل عرضة للإرهاب؟ أبداً، بل العكس هو الصحيح، يقول شوير، ثم يضيف «ربما يكون الوضع قد تحسّن في ما يتعلّق بتأمين طائرات الركاب والذي تكلّف مليارات الدولارات. ولكن القسم الأكبر مما تحقق من إنجازات حتى الآن لا يزال تكتيكياً وليس استراتيجياً. لقد كانت هناك نجاحات معينة في العمل الاستخباراتي والعمليات الخاصة لملاحقة وقتل المتشددين من عناصر تنظيم القاعدة، لكن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد أعداد وأرقام ولا يمكن اعتباره تقدماً حقيقياً.. بمعنى أنه من المستحيل القبض على جميع العناصر تباعاً نظراً لأن هناك الكثيرين منهم، بل إن أعدادهم تزيد الآن عما كانت عليه في 11 أيلول (سبتمبر)، كما أن تدخلنا المستمر في البلدان الإسلامية يؤدي إلى زيادة التأييد لهم بين أبناء تلك البلدان. والأهم من ذلك، أننا لن نكون أكثر تحصيناً وأكثر أمناً على المدى الطويل، لأننا نعمل انطلاقاً من فرضية أن هؤلاء المتشدّدين يكرهوننا بسبب ما نتمتع به من حريات، بينما الحقيقة هي أنهم يكرهوننا بسبب ما نرتكبه من أعمال في العالم الإسلامي.. وعلى وجه أخص، نتيجة لتواجدنا العسكري في بلدانهم وسيطرتنا على مواردهم من النفط وتأييدنا ودعمنا الدائم لإسرائيل».

معلومات إضافية

العدد رقم:
281